رؤى / زَاوِيَةٌ فِي الْعُمْقِ

1 يناير 1970 05:29 م
| مأمون المغازي |

زاوِيَةٌ في عُمْقِ الْماءِ تُناديني، تُحَدِّقُ فِيَّ تَتَلاقى بِزاوِيَةِ ناظِرَيَّ الْمُفَتِّشَيْنِ فيها حينَ تُفَتِّشُ في كِيانِيَ، تَقْرَأُ ما تَقْرَأُ مِنِّيَ، وَتَجولُ في السَّراديبِ ، تُطارِدُ الطَّيْفَ الْحَوّامَ... أَنْظُرُ في عُمْقِ الزّاوِيَةِ حَيْثُ الْبَنَفْسَجَةُ تُسْدِلُ شَعْرَها الَّليْلِيَّ عَلى خُيوطِ الْقَمَرِ.

الْبَحْرُ زاوِيَةٌ ضَيِّقَةٌ في حُدودِيَ ، لكِنَّ الْمِلْحَ يَتَقاسَمُنا؛ يَتَقاسَمُ الْبَحْرَ، وَالْبَنَفْسَجَةَ، وَأَنا؛ لنتساءل؛ ما الْواحِدُ مِنّا؟!

زاوِيَةٌ ، مِلْحٌ، ماءٌ يَنْسابُ، وَصَمْتٌ في عُمْقِ الصَّخَبِ الْمَوْجِيِّ الْهادِرِ، أَفْكارٌ، نَظْرَةَ عين، ماذا يا جَلْجَلَةَ النَّفْسِ الْمَحْشورَةِ مِلْءَ ضُلوعِيَ؟

عَلى صَخْرَةِ الْوَجْدِ تَتَّكِئُ الْبَنَفْسَجَةُ. في الْبَحْرِ، فِي الْعَيْنِ، في الْمِلْحِ أَنا وَهِيَ وَتَاريخُِ الْعُشاقِ الْمُهْدَرُ عَلى عَتَباتِ الْفَقْدِ الرّاحِلِ فينا تَرْحالَ الْعيسِ في الْبَيْداءِ؛ تَحْمِلُ قَرْيَةً، تَتْرُكُ قَرْيَةً، لَكِنَّ الْعيسَ يَحْدوها الْوُصولُ، وَنَحْنُ يَحْدونا الْبُكاءُ.

تَرْتَفِعُ الْمَوْجَةُ، تَتَطاوَلُ أَعْناقٌ... عُنُقُ الْوَرْدَةِ ،عُنُقُ الْقَمَرِ، عُنُقُ الْــ ( رَحَلَ ) تَحْمِلُنا عَبْرَ جِبالِ الثَّلْجِ، وُبؤَرُ الأَعْيُنِ تَرْتَجِفُ. كَمْ وَطَنًا يَأْمُلُ أَنْ نَهْجَعَ فيهِ؟

الْغُرْبَةُ، الْوَحْدَةُ، الْغُرَفُ الْمَطْلِيَّةُ بَأَلْوانِ الأَبْيَضِ وَالأَزْرَقِ، وَالأَسْوَدُ أَصْلُ الأَلْوانِ. وَهْمٌ. الأَبْيَضُ أَصْلُ الأَلْوانِ. وَهْمٌ. بَلْ كُلُّ أُصولِ الأَلْوانِ هِيَ.

أَوّاهُ مِنْ قَهْقَهَةِ الْمِلْحِ، وَعَويلِ الْماءِ. وَدَمْعُ السَّماءِ مِنْ مُؤَقِ الْغَيْمِ يَلومُهُما... وَالصُّبْحُ الأَعْرَجُ عَلى عَتَباتِ الشَّمْسِ يُحاوِلُ أَنْ يَجِدَ الْعُكّازَ ، لَكِنْ هَيْهاتَ وَ هَيْهَاتَ... هَيْهَاتَ يا لَحْنَ الآهاتِ، يا عََزْفَ الأَحْداقِ الْغارِقِ بَيْنَ قُبْلَةِ اللِّقاءِ، وَقُبْلَةِ التَّوْديعِ ؛ قُبْلَتانِ تَلْتَهِمانِ كُلَّ أَعْصابِنا... تَصْرِفُنا الْواحِدَةُ عَنْ كُلِّ الْوَشْوَشاتِ، كُلِّ الْهَمَساتِ، وَكُلِّ اللِّحاظِ الْمُراقِبَةِ الْكِيانَيْنِ الْمُتَوَحِّدَيْنِ في (أَنا) مَنْ مِنّا أَنا؟! مَنْ مِنّا أَنْتَ؟!، كِلْتاهُما حارِقَةٌ آهاتِ الشَّوْقِ وَالسَّعادَةِ، وآهاتِ التَّرَقُّبِ وَالسُّكْنى، وَآهاتِ التَّلَظّي عَلى الْوَحْدَةِ وَالتَّلَظّي في الْحِضْنِ الْوَثيرِ، وآهاتِ دَمْعَةِ الْقَمَرِ الْحائِرِ بَيْنَنا- مِرْسالِ الْغُصْنِ وَالْبَنَفْسَجَةِ-، وَدَمْعَةِ الضَّحِكِ الْمَوْصولِ بِالضَّحِكِ حينَ تَغْرَقينَ في شَقاوَةِ الطِّفْلَةِ الرّاكِضَةِ وَراءَ قِطَّتِها الْمُشاكِسَةِ، وآهاتِ الْحَبيبَةِ الْمُحاوِرَةِ حَبيبَها بِأَقاصيصِ الدَّلِّ الْعابِثِ بِكُلِّ الأَفْكارِ، الْمُثيرِ كُلَّ فُنونِ الْقَوْلِ: شِعْرًا، مَثَلاً، وَخاطِرَةً تَنْطَلِقُ لا تَعْرِفُ حُدودًا، الصَّارِخَةِ صَرْخَةَ الْغَافِلِةِ أَثارَتْها رَشْرَشاتُ الْماءِ مِنْ كَفِّ حَبيبِها، وآهاتِ الشِّعْرِ الرّاقِصِ بِقَدٍّ شَفَّهُ الْوَجْدُ، وَهَزَّهُ نَدى اللِّسانِ النّافِثِ غُلالاتٍ مِنْ رِقَّةٍ (تَتَشَرْشَفُ) تَفْرِشينَها مُطَرَّزَةً بِنَبيذِكِ الْمُعَتَّقِ الّذي لا يَعْرِفُهُ النُّضوبُ، أَما الرّاحُ فَلا تُثْمِلُنا إِلاّ مِقْدارَ الْباءِ آخِرَةَ الْحُبِّ، وَفاتِحَةَ الْبَيْنِ. لأَعودَ للزّاوِيَةِ وَعَيْنِ الْبَحْرِ تَلْتَهِمُني الْتِهامَ الْمُتَلَذِّذِ بِكَعْكَةٍ نَسِيَتْها شَفَتاكِ عَلى ضِفافِ الْقَوْلِ عِنْدَ أَذْيالِ أَمْواجِهِ الرّاحِلَةِ إِلى أَمْواجِ الْبَنَفْسَجِ الْمُنْطَرِحِ عَلى صَفَحاتِهِ حينَ يُصْبِحُ الضِّياءُ، وَحينَ يُجَرْجِرُ كَسَلَهُ مُتَرَنِّحًا بَيْنَ ذِراعَيْ الْمَساءِ.


[email protected]