الرأي اليوم

عن العنصرية والوافدين... تحمّلوني

25 مايو 2023 09:30 م

يتحدّثون عن العنصرية وكيف زادت في الدول الغربية، ويقولون إن حقوق الإنسان كذبة والديموقراطية قناع زائف.

لم أكن في حياتي مفتوناً بالغرب بل ربما كُنْتُ أكثر مَنْ كتب ضدّ سياسات أميركا وبعض الدول الأوروبية التي تبعتها كما يتبع القطيع راعيه، ولم يفتني يوماً التفريق بين الشعار والتطبيق، وبين المعايير وازدواجيّتها، وبين التباكي على حقوق الإنسان خصوصاً في منطقتنا ودعم كل ما يُدمّر إنساننا وحقوقه... ومع ذلك أتمنّى تحمّل وجهة نظر تختلف قليلاً عن شعار «معاهم معاهم ضِدّهم ضِدّهم».

دجنت الأديان وخصوصاً الإسلام، وبالتالي الأعراف والقوانين وغالبيتها في الغرب، مسألة انفلات الغرائز. فالعنصرية مرفوضة دينياً وضاربة لمبدأ المساواة بين البشر، كما تم تجريمها بدرجات مُختلفة من دولة لأخرى. لكن مثل هذه الظواهر لا يمكن القضاء عليها نهائياً لأنها مُتعلّقة بِطرق تفكير البشر وسلوكياتهم ونزعاتهم ولذلك تدخّلت المناهج المدرسية والتربوية وحتى الأعمال الفنية والثقافية لمساعدة القانون في تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي كانت، وما زالت، كفيلة بإذكاء خلافات مُجتمعيّة بل وباندلاع حروب أيضاً.

لن أتوسّع في الحديث عن انتشار هذه الظاهرة في الدول الغربية لكنني سأقول إن «عندهم خير وعندنا خير أيضاً». وتقتضي الصراحة الإضاءة على نموّ هذه الظاهرة في بعض دولنا من دون قوانين تُجرّمها أو تحدّ منها ومن دون التزام أصحابها بأيّ توجيه رسالي قدسي. وإذا تابعنا التطور القانوني والآليات القضائية في الغرب لمواجهة هذه الظاهرة نجد أن الميزان ليس لمصلحتنا وأن علينا أن نبدأ بأنفسنا نحن الذين خاطبَنا ربّ العالمين في قرآنه الكريم «يأَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ عَسى أَن يَكونوا خَيرًا مِنهُم وَلا نِساءٌ مِن نِساءٍ عَسى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ وَلا تَلمِزوا أَنفُسَكُم وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ بِئسَ الِاسمُ الفُسوقُ بَعدَ الإيمانِ وَمَن لَم يَتُب فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ».

بعضُ مَنْ في ديار العرب والمسلمين ما زال يُصنّف الناس حسب انتماءاتهم الأسرية والقبليّة والمناطقيّة. بعضهم ما زال يتحدّث عن ذوي البشرات السّمر بطريقة لا دينيّة ولا حضاريّة، بعضهم يُصنّف الناس حسب مستواهم الاجتماعي فيضيف إلى معاناة الفقير سخرية مُؤلمة، وإلى أزمة من لديه إشكاليّات في الجنسية والإقامة ضغطاً حارقاً. في دولة عربية وصل الحال بناسها إلى استخدام صفة عرق معين من باب شتيمة المرء، أو تشبيه بعرق آخر لوصف الحماقة أو ما سواها من تعبيرات دونيّة.

«يأَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ». كان بعضُنا وما زال يغفل عنصر «التقوى» في التعامل مع الآخر سواء من بيئته الوطنية والدينية أومن بيئات الغير. بل كان بعضُ من لا يشبهوننا في الدين والوطن أكثر تقوى وأنفع للإنسانية والبشرية في مجالات الخير والتقدّم العلمي والصحي من بعض من يشبهنا.

علينا بأنفسنا، وهو الواجب الذي تخلّينا عنه وبالتالي أضعنا بوصلة التغيير. نجح دعاة حقوق الإنسان في الغرب عندما اعتبروا هذه المهمة مسؤوليتهم هم، وفشل نظراؤهم عندنا لأنهم أرادوا تقليد نماذج أخرى والمساعدة من الغير، والأخطر أنهم اعتبروا محاربة أمراض مُخيفة فكرياً واجتماعياً وأمنياً مُهمّة الآخرين على أرضهم وليس مُهمّتهم هم.

من حديث العنصرية العام إلى حديث الوافدين الخاص في بلدنا. باختصار شديد، غالبية من أثاروا هذا الموضوع إنما فعلوا ذلك من المدخل الخطأ. البعض لشعبويّة انتخابيّة، أو لترجمة غريزة عنصرية، والبعض بنيّة صادقة غيورة على حاضر ومستقبل الكويتيين، والبعض لمزايدات وأجندات سياسية، لكن المشكلة في أساسها تتعلّق بالقانون وتطبيقه وبالتجاوزات التي رافقت ذلك سواء بالواسطات أو حماية تُجّار الإقامات أو حتى تبرير المخالفات بـ«الفاتورة السياسيّة».

عدد الوافدين في دولة شقيقة مثلاً يتجاوز تسعة أضعاف المواطنين لكن وجودهم مرتبط بعاملين: حاجة سوق العمل والتزام حديدي بالقانون. تحصل مُخالفة أو سرقة أو جريمة يعاقب صاحبها كما يُعاقب المواطن من دون إسقاط العقوبة على جنسية مُرتكبها أو انطلاق حملات هجوم جماعي ضد الوافدين، ويحصل إنجاز وتميّز وإبداع يُكافأ صاحبه بكل مظاهر التكريم من دون التمييز بينه وبين المواطن.

الوافد ليس مسؤولاً عن عدم وجود رؤية جديدة لسوق العمل في الكويت الأولوية فيها للمواطن. رؤية تبدأ من ربط الوظيفة بمخرجات التعليم وتنظيم الدراسات الثانوية والجامعية على هذا الأساس. والوافد ليس مسؤولاً عن عدم اعتماد إستراتيجية تفتح كل مجالات العمل ليتسرب الخريجون إليها بدل حشرهم في كشوفات القوى العاملة، والوافد ليس مسؤولاً عن عقد وقّعه أو تأشيرة دفع ثمنها ثم وجد نفسه بلا مأوى ولا طعام «ودبّر روحك»، والوافد ليس مسؤولاً عن بقاء تُجّار الإقامات أحراراً طلقاء ينعمون بما كدّسوه من مال سُحت... مرة أخرى، نبدأ بأنفسنا للتغيير بدل أن نتجاهل لُبّ المُشكلة ويلجأ بعضنا إلى الخيار الغريزي الأسهل: العنصرية.

الكويتي أولاً وأخيراً. لكن تحقيق الآمال يتمّ بالعلم والعقل والتخطيط وليس بالشعارات والغرائز والعاطفة. إنّ الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بِأنفُسِهِم.