سافر إلى ذاتك

داء إرضاء الآخرين

24 مايو 2023 10:00 م

في بداية حياتنا تأسسنا على محاولات إرضاء الآخرين، وأول إرضاء عبر في مؤسساتنا الانفعالية هو اقتران حب الأبوين بلبس معين أو سلوك معين أو اختيار معين أو زيارة مكان معين.

ومن هنا بدأت قصة الصراع داخلنا وهو محاولة كسب رضا الأم والأب وتجاهل الرغبات والمشاعر الخاصة بنا، فمن منا لم تمر عليه كلمة عشاني اعمل كذا؟ أو إذا تبي رضاي صادق فلان، إذا تحبني تعال معي هذا المشوار.

ثم تتطور الأمور إلى عشان خالتك ولخاطر عمتك، ثم تزداد تطوراً إلى عشان جارنا ولعيون الجار الثاني والكثير من العبارات المقرونة برضا من نحب والمقترنة ببعدنا النفسي عن حاجاتنا ورغباتنا، ومع الوقت تزداد هذه الفجوة بين ما نريد وبين إرضاء الناس الذين نحبهم لما يريدون.

ما سبق ليس دعوة لعدم شراء الخواطر أو تجاهل المجاملة الاجتماعية التي هي مهمة جداً للصحة النفسية وحالة إرضاء الناس الطبيعية، ولكن ما نطرحه هو التعلق بارضاء الجميع متجاهلين المقولة الشهيرة بأن رضاء الناس غاية لا تدرك، ولن تدرك أيضاً وإن تم ذلك سيصل صاحبها إلى داء الرضا وهو داء يؤدي لعبودية ارضاء الناس لحد ثمنه غالي جداً نفسياً.

أول هذه الأثمان هو العجز عن قول كلمة (لا) لأي كان أو سبب يكون أما الثمن الآخر فسيكون تجنب إبداء الرأي لتجنب الصراعات الناتجة عن الرأي المقتنع فيه والرأي الآخر، فيحفظ نفسه من تلك الصراعات فلا يقوم بإبداء أي رأي بأي شيء، أما الثمن الباهظ من هذا الداء فهو سهولة كون المصاب به أن يكون فريسة لكل من ينوي اصطياد اللطفاء والباحثين عن رضا الآخرين، فيكون ضحية بكل علاقة وإن لم يكن ضحية صنع هو ظالم له ولأن الأثمان خسارتها كبيرة فيها أطلقت عليه اسم داء.

لأنه ينقل المصاب به إلى إحدى الثلاث نتائج التالية: سلوكيات أو عادات قهرية، وأفكار خاطئة، ومشاعر لا تخصك مرتبطة بإرضاء الآخرين وهو مثلث ثلاثي الأضلاع يبدأ عنده هذا الداء ويصنع منه الدواء كيف ذلك؟ في مثالنا خالد، شاب ناجح ومتميز في عمله، ولأن خالد لا يعرف أن يقول لا كل الموظفين يطلبون منه مهمة تخليص أعمالهم، مع الوقت خالد يشعر بالتعب والإرهاق لكن يعجز عن قول لا، لأن بداخله فكرة مشوهة اسمها لازم الجميع يحبني ويرضى عني، وهذا الشيء يجعله يتصرف فوق طاقته ويقدم أكثر من قدرته، النتيجة، خالد لديه تعب جسدي عالي لا يعرف سببه، لماذا؟ لانه يؤدي دور 10 أشخاص بشخص واحد. ناهيكم عن حياته الأسرية، حيث إن كل شيء في المنزل خالد المسؤول الأول والأخير عنه لأنه شقردي، وما ضيعت الكثير إلا كلمة شقردي فهي لا تعني الاتكال الكامل على الشخص حد امتصاص كل طاقته فقط لأنه شقردي وما يرد لك طلب ومن ثم يقع في فخ داء الرضا.

العلاج يكون بتصليح المثلث السابق الذي يبدأ عنده الداء ويصنع منه الدواء.