شهدت الساحة التركية يوم الأحد الماضي ملحمة انتخابية رئاسية بين تحالفين كبيرين هما «تحالف الجمهور» الذي يضم خمسة أحزاب ومرشحها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان من حزب العدالة والتنمية وهو أكبر الأحزاب الخمسة، و«تحالف الأمة» الذي أطلق عليه «طاولة الستة» ويضم ستة أحزاب ومرشحه قليجدار أوغلو، وهو من حزب الشعب الجمهوري وهو من أكبر الأحزاب الستة وأقدمها أنشأه كمال أتاتورك منذ قيام الجمهورية التركية 1923.
لم يحسم المنصب الرئاسي في الجولة الأولى لعدم حصول المتنافسيّن على نسبة 51 في المئة، لكن المؤشرات تفيد بإمكانية حسم الجولة الثانية يوم 28/ 5 الجاري لصالح أردوغان بعد حصوله على نسبة 49.51 في المئة، مقابل 44.88 في المئة، لمنافسه قليجدار في الجولة الأولى ما يعزز فرصة فوز أردوغان بالرئاسة رغم الحملات الدعائية المغرضة التي يبثها تحالف «طاولة الستة» ومعهم الإعلام الغربي ضد الرئيس أردوغان المحافظ تتهمه فيها بالدكتاتورية والعدائية للعلمانيّة الأتاتوركية وإعادة بناء الدولة العثمانية، وبتعاطفه مع ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، وبعجز حكومته عن مواجهة تداعيات الزلزال.
لكن برنامج «طاولة الستة» الانتخابي متواضع جداً ويتمثل في العودة إلى النظام البرلماني - أمر يصعب تنفيذه بعد حصد تحالف الجمهور ما يزيد على نصف مقاعد البرلمان - وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم الأمر الذي يفسّر بأنه دغدغة للمشاعر الشعبوية لا أكثر، والحاجة إلى التغيير بعد طول الفترة التي قضاها أردوغان وحزبه في إدارة شؤون الدولة.
يقابل هذا البرنامج المتواضع من المعارضة، إنجازات كبيرة قام بها أردوغان تتمثل في إعادة هيكلة الاقتصاد التركي، وتحقيق فائض مالي، ورفع المستوى المعيشي للمواطن التركي الذي عانى من تخلف إدارة حزب الشعب الجمهوري للدولة على مدى عقود طويلة، وتصنيف تركيا ضمن الدول التي تتمتع باقتصاد قوي.
كما دخلت تركيا عالم الصناعات المدنية والعسكرية وأصبحت من الدول المصدرة لتلك الصناعات، ولعبت الطائرات المسيّرة التركية دوراً فاعلاً في انتصار أذربيجان حليفة تركيا، على أرمينيا حليفة إيران واستعادت أذربيجان معظم أراضيها التي كانت تحتلها أرمينيا. كما نجحت ديبلوماسية الرئيس أردوغان على المستوى العالمي في اتخاذ موقف حيادي في الحرب الأوكرانية وتجنيب تركيا تداعيات التورّط في الحرب ورفض الضغوط الخارجية والحفاظ على سيادة الدولة التركية، وهو أمر لا يتوافر في تحالف المعارضة الذي يفضل الارتماء في الحضن الأميركي والأوروبي وعلى حساب مصالح الشعب التركي.
الشعب التركي حاله حال الشعوب الأخرى، يتطلّع إلى زعامة تقدم إنجازات على أرض الواقع تؤمن له مستقبلاً واعداً، وتحترم هويته الدينية وتعتز بإرثه التاريخي وليس زعامة فاشلة تتمترس وراء شعار علمانيّة متوحشة منزوعة الهوية لم تعد صالحة لواقع الشعب التركي اليوم.