محمد الدلال / أفكار / خطة التنمية... مشروع دولة أم تكتيك سياسي؟

1 يناير 1970 06:49 ص
«العيب ليس بالنصوص وإنما بالنفوس».

جميل الفعل الحكومي بتقديم مشروع خطة التنمية لمجلس الأمة للاعتماد، وهي نقطة إيجابية تسجل للإدارة الحكومية الحالية، ولو كانت هذه الحكومة على قول المثل قليلة الدسم، بعد أن كاد أن يفقد الأمل بدور استراتيجي في إدارة البلاد من خلال تجربة الحكومات الأخيرة المتعاقبة. والأجمل إذا اعتبرت هذه الخطة جزءاً من فكر إداري يسعى إلى إعادة الأمل والتفاؤل لدى الشعب الكويتي بوجود حكومة بالمفهوم الصحيح للسلطة التنفيذية، لديها برنامج عملي واقعي وليس إنشائياً يتضمن مشاريع تنموية محددة وقابلة للتنفيذ وميزانيات مرصودة تحيطها أجواء مرسومة من الرقابة والشفافية والجودة والصرامة في الأداء والتنفيذ.

إن أخشى ما نخشاه أن تكون الخطة المقدمة بصفحاتها الكثيرة ومشاريعها الضخمة وميزانياتها ذات الأصفار المتعددة ليس إلا تكتيك سياسي هدفه تسجيل النقاط السياسية لمصلحة الحكومة في مرمى مجلس الأمة ليس إلا، ولا يعني ذلك الإساءة إلى دور العديد من الأطراف ذوي النوايا الطيبة التي ساهمت في إعداد مادة تلك الخطة أو اعتمادها في كل من المجلس الأعلى للتخطيط ومجلس الوزراء، ومن ثم مجلس الأمة. والخشية منبعها يكمن في أن خطة بهذا الحجم الكبير لا يقتصر النجاح فيها فقط على إعداد نصوصها ومن ثم تقديمها، وإنما وفقاً لمبادئ التخطيط الاستراتيجي الذي يتطلب حين إعداد تلك الخطة مراعاة الواقع الحكومي والإداري للدولة، والذي سيكون مسؤولاً عن تطبيق وتنفيذ تلك الخطة. ويعني ذلك أنه يتطلب لإنجاح تنفيذ الخطة وتحقيقها لأهدافها وجود إدارة تنفيذية نوعية ذات كفاءة عالية لتطبيق الخطة وجعلها أمراً واقعاً، وهو الأمر الذي لا يتوافر حالياً في تشكيلة الحكومة الحالية أو الأجهزة المختصة الأخرى المنوط بها تطبيق وتنفيذ هذه الخطة، بل إن المأساة الكبرى وباعتراف رموز الحكومات المتعاقبة في فترات سابقة بسوء الجهاز الإداري للدولة وبترهله وعجزه عن القيام بواجباته الحالية، ناهيك عن خطة طموحة وكبيرة، كالتي هي محل النظر لدى السلطتين.

لسنا في محل تكسير عزوم الحكومة أو المجلس أو الأجهزة التي بذلت الجهد في إعداد الخطة وتقديمها، فالجهد مشكور ومقدر، ولكننا وفقاً للمثل الدارج نريد العنب لا الناطور، والعنب الذي نرمي إليه هو قابلية تلك الخطة للتنفيذ الناجح والوصول إلى مرحلة دفع عجلة التنمية، باعتبارها مشروع الدولة وليست خطوات سياسية موقتة لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا كانت الحكومة فعلاً تعتبر تلك الخطة مشروع الدولة فإنها يجب أن تتعامل معها بدرجة عالية من المسؤولية تتناسب معها. ولعل أولى خطوات تلك المسؤولية المقترحة إعادة النظر في التشكيل الحكومي الحالي، والذي يفتقد إلى مقومات إدارة وتنفيذ خطة بهذا المستوى ويتطلب لذلك تغييراً في عدد من الوجوه والحقائب، بما يحقق وجود فريق عمل وزاري ذي كفاءة عالية للقيام بمهام إدارة خطة التنمية. وثاني تلك الخطوات نفض الغبار عن الأجهزة المختصة بتفعيل خطة التنمية، ومنها المجلس الأعلى للتخطيط ولجانه وأجهزته المختلفة، والذي يتطلب أن يكون جهازاً فعالاً وذا مخالب وأنياب إيجابية لضمان جودة الأداء في الأجهزة الحكومية، مع قيام الحكومة بإجراءات جراحية، وأحياناً استئصالية مهمة في نطاق القياديين في الدولة، ممن لا تتوافر فيهم مقومات الأخذ بالخطة والقدرة على التنفيذ. ولعل سرعة إصدار قانون التنصيب القيادي في أجهزة الدولة سيكون له أثر إيجابي كبير في نطاق الإصلاح الإداري وإنجاح تنفيذ خطة التنمية ونكرر مرة أخرى فنقول إنما العيب في النفوس! وثالث هذه الخطوات قيام مجلس الأمة بمطالبة الحكومة بتقديم تصور تفصيلي متكامل لوسائل الحكومة في تفعيل وتنفيذ الخطة وتحديد آلية مراقبة المجلس لها في هذا الشأن. ورابع هذه الخطوات إشراك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والكفاءات المتخصصة في مسارات وآليات تنفيذ الخطة لضمان تحقق الجودة والفاعلية، فالخطة مشروع دولة وأفراد الشعب الكويتي كلهم تقع عليهم مسؤولية إنجاحها.

تهنئة

نهنئ رئيس الحرس الوطني سمو الشيخ سالم العلي الصباح وأسرة الصباح الكريمة بمناسبة عودته سالماً معافى إلى أرض الوطن بعد رحلة العلاج، ونسأل الله له دوام الصحة والعافية.





محمد الدلال

محامٍ كويتي

[email protected]