نادين البدير / هايتي

1 يناير 1970 11:10 ص
| نادين البدير |

الزلزال يقسم بور أو برينس إلى قسمين. يواسيها العالم فيندفع لإنقاذها، طبابة... معالجة... إنقاذ محاصرين تحت الأنقاض... استخراج جثث...

مئات الآلاف من الجثث.

هايتي المسكينة.

يواسيها العالم... فيخفف أو يلغي قروضها. يقدم المعونات. المزيد من المعونات.

في الزلازل تمتلئ الدنيا دموعا وأحزانا، لكن هناك مساحة للعطاء وللكثير من الحب والحنان. لا شيء يضاهي الوقوف إلى جانب المنكوبين في الكارثة الطبيعية.

الولايات المتحدة تعمل على ترحيل آلاف الأطفال إلى ولاياتها المختلفة، تفتح المجال أمام العائلات وتسهل لهم تبني أطفال هايتي. فرنسا تقوم بذات المبادرة وكذلك هولندا.

بطولات برزت إثر الزلزال. ومتطوعون توجتهم أحداث هايتي أبطالاً.

جيري ومارلين بيتار طبيبان شقيقان سياميان، يعملان على علاج المصابين والمتضررين من الزلزال مجاناً... منذ أكثر من أسبوعين وهما صامدان يعالجان دون كلل أو تأفف، وليس لديهما نية في ترك المكان، بحزم يقول التوأم لمراسل الشبكة الأميركية: لا، لن نترك هؤلاء وحدهم.

العرب غير موجودين.

الكل يمارس بطولات. وحدهم العرب لا علاقة لهم بالبطولة حين يأتي الأمر لخدمة الآخرين مجاناً.

في هايتي تطوعت المعالجة النفسية الشابة فرانسواز مارين بمهمة مؤثرة. إذ تجمع الأطفال في مجموعات في محاولة لعلاجهم من الصدمات النفسية التي مروا بها أثناء الزلزال، تغني لهم وتلازمهم طوال الوقت وتهمس بأذن كل طفل وطفلة: لا تخافوا من أي زلزال سأكون معكم.

يبتسم الأطفال الذين كانوا يبكون خوفاً بالأمس، ها هم يضحكون ويقهقهون مع فرانسواز. يصفقون مرددين كلمات لمختلف الأغاني.

فرانسواز تستحق لقب بطلة الإنسانية.

وحدهم العرب غير موجودين.

ممرضات في ميامي جذورهم من هايتي يندفعن لعلاج المرضى وما زال مصير عائلاتهم مجهولاً لديهم.

وآخرين وآخرين...

وحدهم العرب غير موجودين.

العرب يحبون أن تمتلئ الشاشات والجرائد وكل وسائل الإعلام بمشاهد تصور عذاباتهم وآلامهم. فكيف تسلط الأضواء على منكوبين آخرين اليوم؟ لا وجود للعرب إلا لأمر يتعلق بالقضايا العربية. رغم أن الكارثة حصدت أرواح عدد من الأردنيين كانوا يعملون ضمن قوات حفظ السلام.

العرب يعشقون دور الضحية وطالبي المعونة. تستهويهم أدوار الاستكانة والضعف. تستهويهم دموع الآخرين عليهم. يتجاهلون ما يحدث في العالم مبررين كسلهم عن دعم الإنسانية: «كانوا كفرة ونزل عليهم العقاب والزلزال» هكذا يخلصون أنفسهم من أي وجع ضمير. ويتفرغون لأوجاع صنعوها بأنفسهم لاستدرار عطف العالم.

الأمم المتحدة تقول: نأمل في استجابة عربية. تأمل الهيئة بمساهمة سخية بما يليق وروح التضامن العربي والإسلامي.

تتجه مساعدات عربية. طائرة من هنا. مستشفى ميداني من هناك. وفيما عدا المساعدات الخليجية التي بلغت في أقصاها خمسين مليون دولار مقدمة من السعودية، فالمساعدات العربية المقدمة رمزية ولحفظ ماء الوجه. ولشيء يليق بالسمعة الملائكية التي ينشرها العرب عن أنفسهم.

في الجزء الآخر...

جورج كلوني وحده يتبرع بمليون دولار. ليوناردو دي كابريو وحده يتبرع بمليون دولار. ولائحة طويلة لممثلي وممثلات هوليوود منهم أنجلينا وبراد وساندرا ومادونا ونيكول كيدمان والقائمة طويلة كعادة الأعمال الخيرية الغربية التي لا تفرق في الأزمات بين ملة أو دين. ولا تولي أي اعتبار لبعد جغرافي أو اختلاف في الدين

والثقافة.

يقدم كلوني حفلا غنائيا يشارك به أبرز نجوم ونجمات هوليوود، يستمر الغناء لساعتين وهم يناشدون العالم لدعم منكوبي هايتي. حينها علق جورج على الحفل قائلاً...

«لدينا الكثير من المسؤولية للاضطلاع بها والالتفات إلى أناس ليس بوسعهم الانتباه إلى أنفسهم».

المتحدث هو ممثل سينما وليس رئيسا ولا وزيراً أو مسؤولا.

بعدها ينظم البطل، الذي نحلم بوسامته جميعنا نحن النساء، برنامجا تلفزيونيا يشارك به حشد من النجوم لدعم هايتي. النجم لم يعد بطلا سينمائيا وحسب، بل فارس قادم من العصور القديمة. لن نلام بعد الآن إن توجناه أجمل رجل خلق على الإطلاق.

ماذا يفعل فنانو العرب؟ ومتى يتحركون لنجدة أي شيء؟

بل متى يتخلص العرب من الأنانية ويتحركون لخدمة أي أمر لا علاقة له بالعراق أو فلسطين أو أي مصيبة عربية.

لِمَ لا يفكرون باستقبال المنكوبين؟ أقله نقل أطفال هايتي للأراضي العربية.





كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]