في الواجهة / أكثر من نصف القطاع لا تغري زيادات رؤوس أمواله مساهماً ولا شريكاً استراتيجياً... فمن أين لها بالتغطية؟

شركات الاستثمار تحت ضغط «الرسملة»

1 يناير 1970 05:22 ص
|كتب رضا السناري|

أعاد طلب بنك الكويت المركزي من عدد من شركات الاستثمار معالجة كفاية رأسمالها إلى الحدود الدنيا المقررة الربكة مجددا إلى قطاع الاستثمار، خصوصا وان الخطابات التي خرجت من «المركزي» إلى نحو ثلاث شركات حتى الآن تعرضت إلى خسائر ساهمت في تآكل جزء من رأسمالها وتخفيضه إلى اقل من 15 مليون دينار حملت صيغة انذار بالتصفية، في حال عدم التزامهم باطفاء الخسائر إلى الحدود التي ترفع معها رأس المال إلى الحد الادنى.

لم تكن شركات الاستثمار في حاجة إلى ما يزيد الخناق عليها في أزمتها المالية. فتكفيها مشاكلها التمويلية التي لا تزال تبحث لها عن حلول، ويساهم طرح «المركزي» في هذا الخصوص في فتح جبهة جديدة من المواجهة امام شركات الاستثمار، اكثر وعورة من معالجة نقص التمويل، فإعادة الهيكلة يمكن المجاهدة فيها ولو موتا بمد المهل وعض الأصابع بعكس طلب زيادة رأس المال الذي يمنح الشركات المعنية فترة محددة للبقاء على الحياة.

لماذا؟ لأن الزيادات تطرح السؤال الجوهري؛ ما الجدوى من استمرار الشركة إذا كان مجال نشاطها قد تقلص كثيراً أو تبخر؟

وفي جواب من سؤال كهذا تستحضر التغيرات التي طرأت في الأسواق ومجالات الأنشطة التي تعمل فيها تلك الشركات.

ويضع طلب رفع رأس المال إلى الحد الادنى شركات الاستثمار وتحديدا هذا الجيل الذي نما بين 2003 ومنتصف 2008 في مواجهة مباشرة مع الوقت، حيث سيكون الرهان عليها في تجميع السيولة، وهو ما يطرح السؤال حول أهمية ان يفعل «المركزي» هكذا قرار في وقت تنحسر فيه السيولة بالسوق إلى الحدود الدنيا؟

ولأن زيادة رؤوس الأموال تطرح كل هذه التحديات الجوهرية فإن الشركات تسأل عن جدوى طرحها دفعة واحدة في هذا التوقيت. فهل هي محاولة من «المركزي» لغربلة السوق على طريقة «البقاء للأصلح»؟

وجهة نظر الشركات

من المتعارف عليه ان قرار البنك المركزي تحديد حد ادنى لرأسمال شركات الاستثمار يرجع إلى فورة التأسيس التي ميزت السوق الكويتي والتي بدأت تقريبا في الصعود في 2004، ومن اجل تقنين هذه الظاهرة عمد «المركزي» إلى تحديد سقف لرأس المال عند التأسيس، وتكمن الفلسفة وراء القرار بان يضمن «المركزي» الا يكون التأسيس مجالا رحبا للجميع، بل من يملك القدرة.

اما وان انتفت الحاجة امام الشركات المؤسسة، تطرح بعض الشركات المعنية السؤال عن الجدوى المحقق من تنفيذ القرار بعد التأسيس، وما اذا كانت الخسارة التي آكلت من رأس المال تعطل عمل هذه الشركات من تأدية عملها ام لا؟

تأتي الاجابة من داخل القطاع نفسه، بالتأكيد ان انخفاض رأس المال لا يعطل نهائيا عمل شركات الاستثمار، بل ربما يساهم ذلك في الحفاظ على عملاء الشركة بشكل اكبر مما سبق، بعد تراجع العائد على حقوق المساهمين.

وتقول مصادر استثمارية انه بتأسيس الشركة تحققت الغاية الرئيسية لـ «المركزي» في انه تحقق ما يريده في هذا الخصوص، اما وبعد ذلك فليس من الضرورة بمكان ان يصر «المركزي» على هذا القرار، اذ ان الحاجة إلى تغطية الحد الادنى من رأس المال انتفت، كما ان تراجع رأس المال يتعلق بشريحة كبيرة من شركات الاستثمار، ربما تتبلور اكثر في شريحة الشركات حديثة التأسيس الا ان الامر لن يخلو من بعض الشركات العتيقة التي خسرت معظم رأسمالها في الأزمة، وهذه الحالات يمكن التعامل معها من خلال قانون الشركات الذي ينظم التعامل مع الشركات التي تخسر 75 في المئة من رأسمالها، من خلال إتاحة الفرصة لعشرة في المئة من المساهمين لطلب إفلاسها.

والسؤال الذي تطرحه الأوساط الاستثمارية؛ لماذا لا ينطبق على شركات الاستثمار في شأن الخسائر ما ينطبق على غيرها من الشركات؟

التحديات المقبلة

قد تكون للبنك المركزي اعتباراته الخاصة التي تأخذ في الاعتبار ما سبق ذكره. ولا شك أن «المركزي» يدرك تماماً أن تفعيل القرار يضع شركات الاستثمار امام مجموعة من التحديات:

1 - رفع رأس المال خصوصا لتلك الحديثة التأسيس ليس بالامر الهين، فغالبية هذه الشركات لم تتمكن بعد من اكتساب ثقة السوق، بما لديها من امكانات، أو نظرا لقصر عمرها، أو لعدم انتمائها لاحدى المجاميع الرئيسية أو لاسباب اخرى تتعلق بجودة الملاءة ومن ثم من الصعب ان تغري تغطية الحصة المطروحة المستثمر الاستراتيجي.

2 - تكاد تكون مسؤولية التغطية بالنسبة لغالبية الشركات بيد المساهمين الرئيسيين وهي اشكالية ليس من السهل حلها، اذ يكون السؤال في هذا الخصوص حول المبالغ الاضافية التي يمكن أن تتوفار لدى هؤلاء المساهمين الذين يمكن ان يستغنوا عنها للاكتتاب في رؤوس اموال شركاتهم، وهو سؤال معروف الاجابة مسبقا في الأوضاع، وبالطبع تنطبق القاعدة على الجميع تقريباً.

3 - لم يعد قطاع الاستثمار يملك حضورا مثل السابق في الاسواق، بعد ان تغيرت الصورة المالية تماما امام الجميع، وهو ما اسس لثقافة مالية جديدة لدى المستثمرين لم تعد ترى جدوى للاستثمار في شركات الاستثمار بالدرجة نفسها التي كانت سائدة قبل الأزمة، خصوصا اذا علم ان قطاع الاستثمار اكثر القطاعات تضررا في سوق الكويت للاوراق المالية، وتكفي الاشارة إلى ان بيانات الاشهر التسعة الاولى من العام الماضي على اساس انها البيانات الوحيدة المجمعة المعلنة حتى الآن تظهر ان اجمالي خسائر القطاع بلغت عن هذه الفترة 324.9 مليون دينار، بينما بلغت ارباح القطاع في الفترة نفسها من 2007 نحو 533.9 مليون، وهو مؤشر رئيسي يظهر التراجع الكبير في حقوق مساهمي هذا القطاع.

4 - ما الغرض من الزيادة؟ وهل عدم اقرارها يعطل هذه الشركات من تأدية مهامها، واذا تحقق الغرض وتوافرت السيولة ترى كيف ستتصرف هذه الشركات اذا نجحت بهذه الاموال؟ في الغالب ستحتفظ بها حتى تتحسن الاوضاع وهو ما يعني ان مستويات مرتفعة من السيواة سيتم سحبها من لاسوق لصالح تجميده من دون تفعيل، رغم ان الدورة الاقتصادية الأسواق في حاجة إلى تداول السيولة وليس ركنها على «الرف».

5 - هناك تحد متعلق بالسوق كله، إذ فقدت عمليات زيادات رؤوس الاموال وهجها بسبب الاثار المترتبة عليها بشكل مستقبلي على الاسواق خصوصا في الأزمات، والشاهد الاكتتاب في رأسمال «زين» الذي سحب من السوق نحو 1.2 مليار دينار، وهو ما جعل من الصعب بعده النجاح في اي تغطية، حيث الضرر جاء في مرحلة لاحقة.

6 - اثبتت التجربة ان حجم رأس المال لا يشكل اعتبارا كبيرا في حال ان تعرضت الشركة إلى أزمة مالية، فالعديد من الشركات الكبرى محليا وعالميا وقعت في الخندق نفسه مع شركات الاستثمار صغيرة رأس المال عندما جاءت الأزمة.

7 - في قطاع الاستثمار لا يعد رأس المال مؤشراً على المتانة، خصوصا وان نشاط هذا القطاع يعتمد في المقام الرئيسي على ادارة اموال الغير، والوساطة والاستثمار في منتجات مالية لا تحتاج في الغالب إلى اموال المساهمين، ومن ثم توسعة نشاط الشركة لا يحتاج في المقابل الحفاظ على معدلات معينة لكفاية رأسمال شركات الاستثمار على غرار البنوك، حيث الاخيرة تقترض من اموال العملاء لتفيذ نشاطها وتتحمل هي المخاطرة، بعكس شركات الاستثمار التي تستثمر في غالبية نشاطها للغير.

8 - في السوق الكويتي يبدو ان هناك مسطرة واحدة بين الشركات، حيث الخلط في النشاط واحتياجات النشاط بين الشركة التمويلية والاستثمارية.

9 - لا يوجد في السوق الكويتي ما يعرف بخصومات الاكتتابات مثل السوق الاردني على سبيل المثال، وامام هذه الاشكالية تضطر الشركات إلى طرح اكتتاباتها باسعار اعلى بكثير من قيم الأسهم المتداولة في البورصة وهو ما يشكل اعتبارا مهماً في حسابات المستثمر الذي سيفضل بالضرورة اذا رغب الاستثمار في شركة ما ان يذهب مباشرة إلى السوق ليتبضع حصته.

10 - مجرد مباشرة بعض شركات الاستثمار التي لا تستطيع رفع رأسمالها في اجراءات التصفية سيشغل البنك المركزي كثيرا، اذ انه من المتعارف عليه ان شركات الاستثمار تدير اموال الغير، ورغم اصرار محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح في اكثر من مناسبة اخرها في المقابلة التي اجراها اخيرا مع «الراي»، على ان محدد التصفية سيكون قوة السوق، خصوصا للشركات التي باتت لا تملك اوضاعا مالية جيدة، ولا توجد رغبة حقيقية لدى مساهميها في دعمها، الا انه من نافل القول انه في حال تصفية شركة ما سيترتب على ذلك ربكة في «المركزي» في إدارة اموال الشركة التي تديرها الشركة المعنية سوى من خلال الصناديق او المحافظ التابعة لها. وفي المجمل وامام هكذا اشكالية لا يبدو عمليا ان السوق في حاجة إلى تفعيل قرار «المركزي» في خصوص معدل كفاية رأسمال شركات الاستثمار اذ انه يمكن تأجيل هكذا اجراء إلى ان تتعافى الاسواق.

لكن إذا صمم «المركزي» على تفعيل توجهه في شأن رؤوس أموال الشركات فإن خيارات أخرى قد تلجأ إليها الشركات مضطرة، منها الاندماج بين شركتين أو أكثر من شركات الاستثمار. لكن هذا الخيار دونه عقبات، فبحسب توصيف بعض مديري الاستثمار، فإن «تفاحتين فاسدتين لا تصنعان تفاحة جيدة»... هذا غذا كانتا فاسدتين. هناك من يراهن على أن هناك وسط الركام الكثير من الأصول لمن يحترف البحث والتدقيق.

 

من مصر إلى الكويت

... الغربلة أنفع




بعض المؤيدين لتوجه «المركزي» يرون في هذا التوجه تعويضاً متأخراً بعض الشيء لفتح باب التراخيص على غاربه في السنوات السابقة للأزمة. ويشبه أحد هؤلاء ما سيجري في الكويت بما جرى في القطاع المصرفي المصري قبل سنوات. فمن لم يتمكن من البنوك من زيادة رأسماله ذاب في بنك أكبر، وكان مفاعيل ذلك ممتازة في تكوين كيانات أكثر صلابة تمكنت في الصمود في وجه الأزمة الراهنة.



2.78 مليار دينار تبخرت من موجودات البنوك خلال 12 شهراً



تراجعت موجودات شركات الاستثمار، بشقيها التقليدي والإسلامي بمقدار 2.78 مليار دينار بين نهاية نوفمبر 2008 ونهاية نوفمبر 2009، أي ما يعادل نسبة 16.33 في المئة.

وجاء التراجع في جانب شركات الاستثمار التقليدية أكبر بالقيمة المطلقة، إذ بلغ 1.82 مليار دينار، وبالنسبة المئوية أيضاً، التي بلغت 18.55 في المئة. وبالمقارنة، بلغ التراجع في موجودات شركات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة 959.1 مليون دينار، أي ما يعادل نسبة 11.7 في المئة. وتبلغ موجودات الشركات التقليدية في القطاع حالياً 8.023 مليار دينار، في حين تبلغ موجودات نظيرتها الإسلامية 7.2 مليار دينار، بمجموع 15.2 مليار دينار.

ومن اللافت للنظر أن عدد شركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي قفز من 55 شركة في العام 2005 إلى 101 شركة في فبراير الماضي، وهو الآن 100 شركة، منها 46 شركة تقليدية و44 إسلامية، مع الإشارة إلى أن عدد الشركات الإسلامية في القطاع تفوق لأشهر العام الماضي قبل أن يبدأ بالتراجع بفعل الأزمة.