هل حدث ذات يوم ان كنت متوقفاً عند إشارة مرور، وفجأة، وإذا بها تتعطل، وتتحول الألوان الأحمر والأصفر والأخضر إلى اللون الأسود، ويبدأ الناس وقتها يتلفتون ذات اليمين وذات الشمال، ثم يبادر أحدهم بالحركة، وما هي إلا لحظات وتتراكم السيارات داخل المربع الأصفر، ما يعطل حركة السير في الاتجاهات الأربعة، ويجعلها أبطأ من السلحفاة، وعندها تتعالى أصوات أبواق السيارات، ويحاول كل سائق فرض سيطرته على السيارات الأخرى، والبقاء للأقوى كما هي شريعة الغاب.
وفجأة أخرى، يبادر أحدهم وقد انتابه الملل مما يحدث، وإهمال السلطات لذلك العطل بسبب إفطار الصباح، أو بسبب احتساء القهوة العربية، أو لقلة العاملين، والتزام من يعمل منهم بالحفاظ على الأمن عند أبواب مدارس البنات للمرحلة الثانوية، أقول... يبادر أحدهم بالنزول من السيارة وتنظيم السير، حتى يعود الوضع أكثر سلاسة، وفجأة ثالثة يظهر فارس الزمان وقد امتطى دوريته قادماً من بعيد، مطلقا صافرته المدوية، معلناً قدومه المبارك، ولكن يا حسافة بعد فوات الأوان، لقد نظم الشعب نفسه بنفسه.
هذا الوضع يتكرر يومياً في أكثر من ميدان، فعندما تهمل الهيئة العامة للبيئة القيام بدورها المنوط بها، فلا نلوم مجاميع للسلام الأخضر وأخرى للخط الأخضر، التي انبرت للدفاع عن الهواء الذي نستنشقه، أو البحر الذي نلوذ إليه في الملمات بحثاً عن الهدوء والسكينة، ورغبة في الهواء البارد والنسيم العليل خصوصاً أيام الصيف، وإن كنت ألومهم على تسييس مثل تلك القضايا.
وعندما يهمل ديوان المحاسبة دوره الفعال في الرقابة المالية على دواوين الحكومة، فلا نلوم ثلة من الشباب بدافع حبهم لوطنهم عندما يقومون بالدفاع عن المال العام، ونشر ثقافة الشفافية في العمل، ومحاربة الفساد الإداري، ونشر تقاريرهم الدورية عن مواطن الخلل.
وعندما يهمل المعلم والمدرسة والمنطقة التعليمية ووزارة التربية دورهم الأساسي، فلا نلوم الأهالي إذا ما لجأوا إلى المدرس الخصوصي، لأن الذهاب إلى المدرسة ولمدة خمس ساعات يومياً أصبح غير ذي جدوى.
في الأفقوهكذا ينظم الشعب الحر نفسه إذا ما فقد ثقته في حكومته، أو أهملت المؤسسات الحكومية والشعبية ذات الصلة القيام بما هو مطلوب منها، أو قامت به على أساس من الجهل والمصالح الشخصية الضيقة، قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]