عقوبات على حسن مقلد وشركة CTEX

ما معنى ذكر «الخزانة الأميركية» مصرف لبنان و«حزب الله» في سطر واحد؟

25 يناير 2023 08:24 م

- مصرفي لـ «الراي»: فوضى النقد تحاكي «الجنون» في الوكن الصغير

فَقَدَ التوقيت قيمتَه في قياس الانحدار القياسي لسعر صرف الليرة اللبنانية الذي تحوّب حدثاً في ذاته. فعلى مدار الساعة، يسجّل الدولار الأميركي قفزات تطيح بالحواجز النفسية أو الموضوعية المفترضة، وبوتيرة أسرع من عدّ النقود لتنفيذ عمليات مبادَلة بين العملتين لدى الصرافين، فيما تلوذ أسواق الاستهلاك باعتماد فوارق محسوسة على الأسعار تَحَوُّطاً لحفظ القيمة الاستبدالية للسلع.

وفيما يعتصم البنك المركزي بصمتٍ مطبق بعد الفشل المشهود لمبادرة التدخل «المفتوح» لعرض الدولار عبر منصّته بسعر 38 ألف ليرة، تكفلت الدولة بغياب وشلل سلطاتها كافة، وبما يشمل الادارات والمؤسسات العامة، بمنح تجارِ العملات قوة دفع استثنائية للاستفراد بالسلطة النقدية المربكة وبقيادة عمليات التسعير التي أوصلت الدولار قريباً من عتبة 60 الف ليرة.

انه الجنون بعينه، وفق مسؤول مصرفي حاولت «الراي» استقراء المشهد النقدي المتفجر معه، وقال: «ما يحصل لا تقتصر تداعياتُه على سعر العملة الوطنية فحسب، بل يشي بشرذمة الأصول والمواصفات الموضوعية لقاعدةِ العرض والطلب، بما يضع كل وسائل وآليات المَشهد النقدي في يد حيتان الأسواق الموازية ومجموعاتهم الناشطة والمتواصلة لحظة بلحظة عبرمجموعات»الواتساب«المغلقة».

ووفق تقييمِ المصرفي، تنطوي هذه الانحرافات في إدارة العمليات النقدية وارتقاء دور تجار العملات إلى بسط نفوذهم على المبادلات والسيطرة على هامش متسع من الدور «المحوري» للبنك المركزي في التحكّم بالسيولة وتحديد وجهات توظيفاتها، على مَخاطر جسيمة تتعدّى سلبيات تضييق مجرى تنفيذ العمليات عبر الجهاز المصرفي المحكوم برقابة السلطة النقدية، لتبلغ مستوى توليد أضرار أشد ايلاماً على المعاملات المالية بين لبنان والخارج وبين البنوك وشبكة البنوك المراسِلة في الخارج.

وبالفعل، فقد زخرت النسخة الأخيرة من التدخل النقدي المفتوح من البنك المركزي بثغرات تنفيذية وإجرائية، بحيث شرعت الأبواب لتكرار عمليات مكثفة تستهدف تعظيم الأرباح وبتعاونٍ مكشوف مع تجار العملات وتصرّفات تحمل الشبهات من مديري فروع مصرفية، ما تسبب باختراقاتٍ غير مرغوبة في متانة البنية القانونية للالتزام بسلامةِ مرور العمليات النقدية، ومما أفضى إلى إطلاق تحذيرات مشروعة من انكشاف القطاع المالي ومؤسساته على إمكان مرور عمليات تحمل شبهات تبييض الأموال.

وبذلك، فإنه إلى جانب المخاوف التي يمكن أن تنتج عن التحقيقات الأوروبية التي جرت في بيروت في شأن عمليات مالية مشبوهة تخص حاكم البنك المركزي بشخصه وبمقربين منه، ارتفع منسوب الحساسية من تبعات التخلّي عن موجبات التحوط في إدارة أحجام وسقوف المبادلات النقدية، فضلاً عن تنفيذ العمليات في أيام عطلات رسمية وتوجيه المتعاملين إلى منافذ مصرفية محددة بالاسم. وهي ظاهرة غير مألوفة مطلقاً في سياسات البنوك المركزية.

ولم يكن عابراً إعلان وزارة الخزانة الأميركية، الثلاثاء، فرض عقوبات على أفراد وكيانات لبنانية لصلتها بتسهيل الأنشطة المالية لحزب الله.

وقالت الوزارة، في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني، إن العقوبات طالت مَن يوصف بالخبير المالي اللبناني، حسن مقلد، ونجليه ريان وراني، وشركة الصرافة «CTEX» التي يملكها بسبب علاقات مالية مع حزب الله.

وأكدت أن «مقلد لعب دوراً رئيسياً في تمكين حزب الله بالاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها»، مشيرة إلى أنه «يُعتبر بمثابة مستشار مالي لحزب الله وينفذ صفقات تجارية نيابة عنه، وساعده في الحصول على أسلحة».

وفي سابقةٍ برزت علامات استفهام حول هل ستكون لها تتمّاتٌ وتداعياتها المحتملة على علاقة القطاع المصرفي اللبناني برمّته بالبنوك المراسلة، ذكر البيان بالاسم مصرف لبنان وحاكمه على خلفية دور الشركة المرخّصة من «المركزي» في جمْع الدولارات لمصلحته مقابل عمولات.

وقال البيان إن مقلد «أسس منتصف عام 2021، شركة CTEX كواجهة مالية لحزب الله»، مشيراً إلى أن «المسؤول المالي الكبير في حزب الله محمد قصير ونائبه محمد قاسم البزال هما وراء إنشاء الشركة»، ولافتاً إلى «ان مقلد حصل على ترخيص من مصرف لبنان لتحويل الأموال داخل لبنان وخارجه، وفي غضون عام حصلت الشركة على حصة كبيرة في سوق تحويل العملات في لبنان». كما ذكر أنه «بحسب المعطيات، كانت الشركة تجمع ملايين الدولارات الأميركية لمصلحة مصرف لبنان المركزي، وفي الوقت نفسه كانت تقدم دولارات أميركية لمؤسسات حزب الله وتجنّد صرافين موالين له».

وأشار البيان إلى أن مقلد «يفوض أموال الشركة (CTEX) مباشرة إلى محافظ البنك المركزي ويتلقى بالمقابل عمولات بمئات آلاف من الدولارات يومياً».

وفي موازاة ذلك، يمكن الاستدلال على صعيد الواقع الميداني ومن خلال الكثير من الإشارات والمؤشرات الى حقيقة التقلّص الدراماتيكي لحضور السلطة النقدية في أسواق صرف العملات، بعد «إجهاض» التدخل الطارىء الذي شهر «سيفه» بيان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم 27 ديسمبر الماضي، متوخياً الحؤول دون ارتفاع سعر الدولار فوق حاجز 50 الف ليرة، ومستهلكاً لهذه الغاية نحو 170 مليون دولار من قيود احتياطات العملات الصعبة لديه وكميات مضافة اشتراها من الأسواق.

ومن المرجح، بحسب خبراء ومحللين، أن يشهد الميدان النقدي تزخيماً مضافاً مع مقتضيات صرف الحصص الشهرية للمودعين في البنوك وضخّ الرواتب المضاعَفة للقطاع العام خلال الأيام المقبلة، وبالتزامن مع بدء العمل بالسعر الرسمي الجديد البالغ 15 ألف ليرة لكل دولار اعتباراً من أول فبراير المقبل. مع وجوب التنويه بأن البنك المركزي درج منذ أشهر على صرف المخصصات العامة لنحو 320 ألف موظف ونحو 120 ألف متقاعد بالدولار النقدي وفق سعر منصة «صيرفة».

فمع تعميم البنك المركزي بخفض سقف السحوبات للمودعين من 3 آلاف الى 1600 دولار بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار، ستبقى حصة السيولة المتاحة ضمن سقف 24 مليون ليرة شهرياً. وهذا المبلغ الذي يتقلص على مدار الساعات والأيام، سيجعل أصحاب الحسابات عاجزين عن تحسين مداخيلهم وجبه لوائح المصاريف المعيشية الصاعدة صاروخياً وبمعدلات تزيد عن السعر الواقعي للدولار الذي يصعد بهلوانياً وبمتواليات هندسية مضاعَفة لا حسابية متدرّجة.

وفي حسبة سريعة طبقا للأرقام السارية ظهر الأربعاء، فإن قيد السحب الشهري يوازي عملياً، وحتى الغد، أقلّ من 400 دولار بالسعر السوقي، ما يعني أن نسبة الاقتطاع او الخسارة المحققة تتعدّى 70 في المئة. أما في حال حاجة المودع لسيولة إضافية، وهو واقع الحال لدى غالبيتهم، فانه سيضطر الى اصدار شيكات واستبدالها بـ «الكاش» مع تحمل نسبة اقتطاع تتجاوز 80 في المئة.