اتجاهات

الصين في عيون المنطقة

23 يناير 2023 11:00 م

لا جدال ولا خلاف أن الصين قد أصبحت القوى الخارجية الأكثر نفوذاً وحضوراً في المنطقة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. وعلى هذا الأساس، يجب أن يُثار سؤالان أساسيان: الأول، كيف أصبحت الصين أهم لاعب في المنطقة؟ والثاني، كيف ترى المنطقة قيادة وشعباً الصين؟

وحقيقة الأمر أن ثمة ارتباطاً وتداخلاً شديدين في الإجابة عن السؤالين.

بدأ الانخراط الصيني القوي في المنطقة منذ أوائل التسعينيات إثر تفاقم أزمة الطاقة الصينية، حيث بدأت الصين في إقامة علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة خاصة دول مجلس التعاون، على أساس التعاون الاقتصادي لا غير. مدفوعة بذلك بمبادئها الراسخة في السياسة الخارجية، لا سيما مبدأي التعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وهذا في حد ذاته قد عزّز من صورة الصين لدى المنطقة وشجّع على مزيد من تعميق وتوطيد أفق التعاون الاقتصادي.

إذ، بالمقابل كانت هناك قوى غربية وتحديداً الولايات المتحدة تمارس نوعاً من الوصاية والحماية العسكرية على المنطقة مقابل الهيمنة على منابع النفط.

في منتصف الألفية الجديدة، تحولت بوصلة السياسة الخارجية لكثير من الدول العربية، خاصة دول الخليج، تجاه الشرق، إثر تراجع الطلب الغربي على النفط، وإستراتيجيات التنوع الاقتصادي.

وهو ما أدى إلى دفع العلاقات العربية - الصينية إلى مستوى أعمق من الشراكة والتعاون.

حيث تم إنشاء الحوار العربي - الصيني، وتم الاتفاق على تأسيس منطقة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون.

وواقع الأمر، أن دول المنطقة، لا سيما دول مجلس التعاون قد وجدت في الصين الشريك الرئيسي الذي يستطع مواكبة تحولاتها الاقتصادية والسياسية الجديدة.

علاوة على ذلك، وجدته شريكاً لا يملي شروطاً محددة لامعنى لها من قبيل التعاون والمساعدات لقاء التقدم في ملف حقوق الإنسان. كما وجدته شريكاً لا يتطلع لطموح عسكري أو لديه مشروع إمبراطوري في المنطقة.

ومنذ أن طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق في المنطقة عام 2015، ارتقت الشراكة العربية - الصينية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فالمبادرة من منظور العرب، مبادرة اقتصادية طموحة تتقابل مع طموحات العرب الاقتصادية، وتحمل في طياتها أبعاداً حضارية وثقافية ترمي إلى تعزيز القوة الناعمة للصين وصورتها الخارجية.

ازداد الزخم الصيني الاقتصادي والثقافي في المنطقة على نحو مذهل منذ 2015، إذ أصبحت الشركات الصينية الشريك الرئيسي لمشروعات البنية التحتية في المنطقة، كما عزّزت الصين من مراكز تعليم اللغة الصينية والمراكز الثقافية الصينية الرامية للتعريف بالثقافة والحضارة الصينية السلمية التعاونية في جوهرها.

بالإضافة إلى تقديم آلاف المنح سنوياً للطلاب العرب للدراسة في الصين في مختلف التخصصات.

علاوة على ذلك، بدأت الصين في لعب دور الوساطة في ملفات المنطقة الشائكة كالأزمة اليمنية والقضية الفلسطينية في محاولة لإرساء حلول مستدامة لها.

وعلى هذا الأساس، تفاقم التقدير الرسمي للصين، بالتوازي مع تفاقم الصورة الشعبية الجديدة عن الصين.

وفي صدد ذلك، يُمكن القول إن اهم العوامل التي تُعد بحق دافعة لتطور النظرة الإيجابية للصين، هو ابتعاد الصين تماماً عن أن يكون لها حضور عسكري أو أمني واسع في المنطقة يؤدي إلى تآكل صورتها وقوتها الناعمة.

إذ إن الصورة السلبية عن الولايات المتحدة في المنطقة - رغم الانجذاب لقوتها الناعمة - نابع من هيمنتها العسكرية المفرطة في المنطقة، واحتلالها للعراق وأفغانستان.

إلى جانب انحيازها المطلق لإسرائيل وأعمالها الشائنة في الأراضي المحتلة.

علاوة على ذلك، ترى المنطقة نخباً وشعوباً الصين نموذجاً اقتصادياً- حضارياً جاذباً فاق كل درجات النجاح، يتلاءم إلى واقع وثقافة وظروف مجتمعاتنا العربية.

بالأخير، تنامت بصورة ملفتة الصورة الإيجابية للصين في المنطقة على المستويين الرسمي والشعبي، كنتيجة للأهمية الاقتصادية البالغة التي غدت تلعبها الصين لنمو المنطقة وازدهارها اقتصادياً.

وأيضاً، كنتيجة لقوتها الناعمة وطرح نفسها كنموذج حضاري سلمي غير مهيمن ولا يؤمن بغطرسة القوة العسكرية، مختلفة بذلك عن أيّ قوى عظمى سابقة في التاريخ.