اقترح في ندوة «ريكونسنس» حول الحوكمة تشكيلها لجنة تنسيقية مشتركة

بورسلي: توحيد الجهات الحكومية سياستها تجاه ملكياتها في الشركات المساهمة... يحمي المال العام

23 يناير 2023 11:00 م

- قياديون يتسابقون على تمثيل المؤسسات الحكومية في مجالس الشركات الكبرى طمعاً بالمكافآت المُجزية
- جهات حكومية تملك نسب سيطرة في شركات تعزف عن التدخل بتعيين قياداتها ورسم إستراتيجياتها
- قواعد الحوكمة المطبقة في السعودية وعُمان أكثر تفصيلاً وتقدماً من نظيرتها محلياً
- جهود «البورصة» لإقناع الشركات العائلية بالإدراج ممتازة لكن بعضها لايزال يقاوم
- «هيئة الأسواق» اعتبرت تقرير الاستدامة اختيارياً ولم تُحدّد طريقة لكتابته
- الهاجري: لا تنمية مستدامة بلا رؤية وأهداف قابلة للقياس

لفت عضو المجلس الاستشاري لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات مستشار الرقابة والحوكمة الدكتور ناصر بورسلي إلى ضرورة إيجاد لجنة أو هيئة تنسيقية بين الجهات الحكومية المختلفة، التي تمتلك أسهماً وحصصاً مؤثرة في الشركات المدرجة وغير المدرجة في البورصة، لتحديد السياسة الحكومية في التصويت والإستراتيجيات، وذلك من خلال القرارات المهمة في اجتماعات مجالس الإدارة لهذه الشركات.

وقال بورسلي في ندوة عقدها مركز ريكونسنس حول الحوكمة إن الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لشؤون القصر والأمانة العامة للأوقاف، وجميعها جهات حكومية تمتلك حصصاً ليست بالقليلة في عدد كبير من الشركات المدرجة وغير المدرجة، وكذلك الصناديق الاستثمارية سواءً داخل أو خارج الكويت، لكن للأسف لا توجد سياسة واحدة لهذه المؤسسات في التصويت داخل اجتماعات مجالس الإدارات للشركات والبنوك التي تمتلك فيها حصصاً، مشيراً إلى عدم وجود سياسة واضحة تتبعها كل مؤسسة من هذه المؤسسات الحكومية في التصويت داخل اجتماعات مجالس الإدارة، رغم أنها جميعاً جهات حكومية.

وأضاف «من هنا، لابد من إيجاد لجنة تنسيقية تضم ممثلين عن هذه الجهات لتحديد السياسات العامة لها في مجالس إدارات الشركات التي تملكها، من حيث التصويت في القرارات المهمة كتعيين القيادات وبيع بعض الحصص وغيرها، وذلك حفاظاً على المال العام، وحتى تكون هناك سياسة واحدة لكل الجهات الحكومية صاحبة هذه الملكيات»، مؤكداً ضرورة التزام ممثلي هذه الجهات بالتعليمات والسياسات التي تضعها هذه اللجنة، لاسيما أن أي اجتماع لمجلس إدارة أي شركة من هذه الشركات يكون له جدول أعمال معلن قبله بفترة حسب ما تقضي به اللوائح والنظم المنظمة لذلك، ويجب ألا يُترك أمر التصويت لوحي اللحظة لكل جهة حكومية تصوِّت كما تشاء، بمعزل عن بقية الجهات.

مكافآت مجزية

وأشار بورسلي إلى أن ممثلي هذه المؤسسات في مجالس إدارة الشركات يحصلون على مزايا كبيرة مادية وغير مادية، متسائلاً: هل تعتبر هذه الأموال التي يحصلون عليها بصفاتهم أموال دولة ولها حرمة المال العام؟ أم تؤول لكل واحد منهم بصفة شخصية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو حتى بعد أن يتم تجميعها من قبل هذه الجهة المعنية ومن ثم توزيعها على هؤلاء الممثلين، وهم موظفو تلك الجهات؟

وأعرب عن أسفه لعدم وجود معايير أو إطار واضح ومعتمد للحوكمة يمكن من خلاله تعيين أشخاص بعينهم لتمثيل هذه المؤسسة أو تلك في أي شركة من الشركات، منوهاً إلى أنه من الطبيعي أن يكون هناك تسابق بين القياديين على تمثيل هذه المؤسسات في مجالس إدارات الشركات والبنوك الكبرى التي تصرف مكافآت كبيرة ومجزية.

وتابع بورسلي «على سبيل المثال، فإن ديوان المحاسبة في مراجعته لإحدى هذه الجهات الحكومية توصّل إلى ضرورة وجود مشروع (إعداد أنظمة الحوكمة للقطاع الاستثماري ) بما يكفل حسن أداء العمل وتجنب المخاطر»، معبراً عن دهشته من أن هذه المؤسسات الحكومية ورغم أن ملكياتها الكبيرة في بعض الشركات والبنوك تمثل مجتمعة النسبة الأكبر (نسب سيطرة) بين الملاك، إلا أنها تعزف عن التدخل في تعيين الرئيس التنفيذي والقيادات العليا ورسم الإستراتيجيات (مثل توزيعات فصلية واندماجات واستحواذات وبيع شركات تابعة أو حصص مؤثرة في شركات زميلة أو ملكيات مختلفة داخل أو خارج الكويت)، مع تباين المصفوفات واللوائح التي تُبنى عليها القرارات والاستثمارات، ولا يكون لها قرار في هذا الشأن المهم، حيث تأخذ دور الحياد في تلك الأمور بشكل أو بآخر، وهو أمر يدعو للتساؤل حول تنازلها عن حق كفله لها القانون بحكم ملكيتها الكبيرة وحصصها المؤثرة، وبالتالي تقوم جهات القطاع الخاص التي قد لا تمتلك حصصاً تذكر بأخذ هذا الحق وتعيين الرئيس التنفيذي والقيادات العليا لهذه البنوك والشركات.

العضو المستقل

وتطرق بورسلي إلى العضو المستقل الذي فرضه قانون هيئة أسواق المال على الشركات والبنوك الخاضعة للرقابة، مشيراً إلى أن تعليمات بنك الكويت المركزي على سبيل المثال في سبتمبر 2019 أوجبت على البنوك أن يكون لديها عضوان مستقلان في مجلس الإدارة اعتباراً من 30 يونيو 2020 ثم أربعة أعضاء مستقلون اعتباراً من 30 يونيو 2022.

وقال إنه رغم وضوح هذه التعليمات، إلا أننا نجد أنه من الناحية العملية يكون من الصعب إجبار الشركات والبنوك على اختيار العضو المستقل من قائمة معدة سلفاً، لأن كثيراً من هذه الشركات يختار مالكوها أشخاصاً يكونون مرتبطين معهم بمعرفة سابقة كأعضاء مجلس إدارة، موضحاً أنه عند بداية تطبيق قانون «هيئة الأسواق» وتطبيق قواعد الحوكمة على الشركات والبنوك المدرجة في البورصة كان هناك غموض حول الجهة المسؤولة عن تطبيق هذه القواعد، هل هي الهيئة أم بنك الكويت المركزي، إلى أن تم توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين في 2018 تتعلق بتحديد الاختصاصات في مجال الرقابة والإشراف على أنشطة الوحدات الخاضعة للرقابة، وبناء عليه أصبحت رقابة البنوك لـ«المركزي»، ورقابة الشركات لـ«هيئة الأسواق»، باستثناء الأنشطة التمويلية فهي تخضع أيضاً لرقابة «المركزي».

وذكر بورسلي أن «المركزي» وضع معايير لعضو مجلس الإدارة المستقل في أي بنك خاضع لرقابته، وكذلك الحال للشركات حيث توجد معايير قامت بإصدارها «هيئة الأسواق»، وذلك من حيث المؤهلات والخبرات التي يحملها، والشروط التي ينبغي أن تتوافر فيه، وعدد العضويات التي لا يجوز أن يتخطاها، وغير ذلك.

السعودية وعمان

وأشار بورسلي إلى قواعد الحوكمة المطبقة في دول الخليج، لاسيما عُمان والسعودية، معتبراً أنها أكثر دقة وأكثر تفصيلاً عند مقارنتها بالوضع في الكويت، مبيناً أنه على سبيل المثال فإن القوانين العمانية تمنع أي شخص مسؤول برتبة وزير أو وكيل وزارة من عضوية أي مجلس إدارة في جهة حكومية، كما أنها وبحسب تعليمات هيئة أسواق المال وخلال أول 90 يوماً بعد تشكيل المجلس لابد أن يتم وضع خطة لبرامج التدريب لأعضاء مجلس الإدارة على كيفية عمل الجهة ومجالات الحوكمة وضبط التحايل والمهارات الواجب توافرها في أعضاء مجلس الإدارة.

وأضاف «من ناحية أخرى، فإن هيئة سوق المال السعودية نصت في المادة 33 على أنه إذا كان لدى أي من أعضاء مجلس الإدارة ملاحظات حيال أداء الشركة أو أي من الموضوعات المعروضة ولم يتم البت فيها في اجتماع المجلس، فيجب تدوينها وبيان ما يتخذه المجلس أو يرى اتخاذه من إجراءات حيالها في محضر اجتماع مجلس الإدارة، كما أنه إذا أبدى عضو مجلس الإدارة رأياً مغايراً لقرار المجلس فيجب إثباته بالتفصيل في محضر اجتماع المجلس».

الشركات العائلية

وتناولت ندوة «ريكونسنس» محوراً حول الشركات العائلية، إذ أكد بورسلي أن جهود بورصة الكويت في إدراج الشركات العائلية ممتازة وتستحق التقدير، لاسيما أنه من المعروف أن الشركات العائلية لها دورة حياة تنتهي عند الجيل الثالث، في حين أن إدراج الشركة العائلية يحافظ عليها ويجعلها خاضعة لقواعد الحوكمة والرقابة، كما أنه يسهّل عملية التخارج لأي عضو في العائلة يرغب في تسييل حصته وبيعها بالثمن المعلن في البورصة، دون أدنى مشكلة.

ولاحظ أن عدداً من الشركات العائلية في الكويت يقاوم عملية الإدراج في البورصة، في ظل تفكير ورؤية الجيل الأقدم من المؤسسين وأبنائهم، قائلاً إن «هؤلاء يفضلون ألا يطلع أحد على بياناتهم المالية وأرباح شركاتهم، كما أنهم، من ناحية أخرى، يعتبرون متطلبات الإدراج ثقيلة، خصوصاً على هؤلاء الذين تعودوا إدارة شركاتهم بطريقة فردية، حيث يكون من الصعب أن يتحول مجلس الإدارة العائلي إلى مجلس إدارة يراقب وينتخب أيضاً أعضاء مستقلين».

الاستدامة

وأفاد بورسلي بأن التزام الشركات والمؤسسات الاقتصادية بقواعد الاستدامة قضية مهمة على المستوى الدولي وليس فقط المحلي، حيث تبين أنها من ضمن المؤثرات على الاستثمار الأجنبي في البورصة والعلاقة بينهما طردية، إذ كلما زاد الالتزام بقواعد الاستدامة تكون هناك انتعاشة بالسوق من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا ما أكده بحث منشور ومحكم في مجلة علمية (سكوبس Scopus- ) قام به بورسلي بيّن من خلاله أثر الحوكمة على الاستثمار الأجنبي في الكويت.

ولفت إلى أنه رغم أهمية هذا الموضوع إلا أن «هيئة الأسواق» اعتبرت أن تقديم الشركات لتقرير الاستدامة أمر اختياري وليس إلزامياً، منوهاً إلى أنه حتى في هذا الإطار الاختياري لم تحدد للشركات الخاضعة لها طريقة معينة أو «فورمة» لكتابة التقرير، وكأن هذا التقرير أداء واجب ليس أكثر.

وطالب بورسلي بأن تكون تقارير ومعايير الاستدامة إلزامية لكل الشركات وليست اختيارية، على أن يكون لها إطار معين أو طريقة معينة يتم تقديمها بها من قبل كل الشركات، بالشكل والمعايير ذاتها، وتنعكس من خلالها المعايير الدولية التي تتناسب والبيئة الرقابية التشريعية في الكويت.

العنجري: نحتاج إلى رغبة وقرار حازمين لتطبيق الحوكمة

أكد المؤسس الرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، عبدالعزيز العنجري، أن كثيراً من الدول النامية، ورغم كثرة حديثها عن الحوكمة، لا تطبّق منها إلا القليل، لأن تطبيق الحوكمة يصطدم بمستويات فساد عالية في هذه الدول، مشيراً إلى أن الحوكمة تحتاج إلى بيئة تُعلي من حكم القانون واحترام استقلال القضاء وقيام كل مؤسسة بدورها دون تدخلات.

واعتبر العنجري كثرة الجهات الرقابية وتعدد المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد وتطبيق الحوكمة دليلاً على ضعف الرغبة في مكافحة الفساد، لأن هذا التعدد يوفر ثغرات قانونية عديدة للمتنفذين تسمح لهم باختراق القانون، والتلاعب بقواعد الحوكمة، وتطويق وإضعاف الهيئات والمؤسسات والسياسات التي وضعوها هم بأنفسهم - ادعاءً منهم - بمكافحة الفساد.

وأكد أن الكويت بحاجة إلى «رغبة وقرار حازمين حتى يتم تطبيق قواعد الحوكمة، سواء على مستوى المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الخاصة، لأننا جميعاً نلمس تهميشاً وتجاوزاً يومياً لهذه القواعد على مرأى ومسمع من جميع الأطراف المعنية ذات العلاقة»، مشيراً إلى أنه لا تقدّم من دون تطبيق صارم وفعلي ومخلص لقواعد الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد، وبغير هذا فإن أي جهود للتنمية تبذلها أي جهة أو مسؤول ستكون بمثابة الحرث في البحر، وأي خطاب من مسؤول لن يعدو كونه شهيقاً وزفيراً بلا تأثير.

الهاجري: التنمية المستدامة لن تتحق دون رؤية وأهداف قابلة للقياس

قال عضو مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، مناف الهاجري، في مداخلته خلال الندوة، إن الحوكمة هي في النهاية جزء من قضية أسمى تتمثل بتحقيق التنمية المستدامة، مؤكداً أن هذا لن يتحقق إلا من خلال رؤية، فمن دون رؤية وأهداف قابلة للقياس تتعلق بالإنتاجية لن يتحقق شيء.

وأشار إلى أهمية صياغة أهداف يمكن قياسها حتى يتسنى التحقق من إنجازها ومن ثم المحاسبة، موضحاً أن البيئة الاجتماعية والاقتصادية في الكويت لا تشهد استعداداً لاتخاذ مخاطرة مدروسة بين كثير من المستثمرين المؤسسين، ولذلك نجد أن تحدي الحوكمة لدينا بتجاوز القيود التي لا تشجع على المخاطرة المدروسة التي من دونها لا تقوم للابتكار في مجالات مثل الطاقة النظيفة، والاتصالات، والخدمات المالية، وتحلية المياه، أي قائمة.

وذكر الهاجري أنه لابد من مراجعة قواعد الحوكمة لتركّز على هذا التمكين حتى تتحقق الطفرة المرجوة لرأس المال المبادر في بيئتنا المحلية، في قطاعات تتجاوز الاستهلاك الى الاستثمار والتنمية المستدامة.

وحول وجود العضو المستقل في مجلس الإدارة، أفاد الهاجري بضرورة التركيز على فعالية العضو واستعداده لشغل هذا الموقع، منوهاً إلى أنه من الملاحظ أن معظم الصلاحيات تكون محصورة عادة بين رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، أما بقية الأعضاء فهم بحاجة لبذل جهد استثنائي حتى يكون لهم دور فاعل.

وبيّن أن الاعتراض داخل مجلس الإدارة ليس هو المعيار الوحيد لفعالية الأعضاء أو عدم فاعليتهم، لأن الرئيس إذا كان يتمتع بموهبة القيادة والكفاءة فعليه أن يركز على التوافق والابتعاد عن التأزيم، وهو ما لا يتحقق إلا بالاستماع والتعاون مع جميع الأطياف من المشاركين في صناعة القرار، مشيراً إلى أن هذا ينطبق على الشركات الحكومية والخاصة في الوقت ذاته، وآملاً أن تخطو القطاعات الحكومية في قواعدها المتعلقة بالحوكمة خطوات كتلك التي خطاها القطاع المالي والشركات المدرجة، وخاصة في ما يتعلق بأنظمة عمل مجالس الإدارات واللجان المنبثقة والأنشطة المرادفة كالتدقيق الداخلي وضبط الجودة وإدارة المخاطر.

واعتبر الهاجري أن علم الإدارة يتطلب الحصافة في القرار والأحكام في ضوء أهداف الشركات مثل العوائد المستهدفة ودرجة المخاطر المقبولة، كما أن الإدارة نشاط بشري يعتمد على القدرة والكفاءة، ومن هنا تبرز أهمية مجالس الإدارات ودور أعضائها في إضافة القيمة للجهات التي يشاركون بها.

وأضاف أن «اختيار عضو مجلس الإدارة المناسب ذي المؤهلات والموهبة لتمثيل جهة ما هو أمر طبيعي، فأنت لن تختار من يمثلك في شركة كبرى مثلاً إلا إذا كان شخصا ذا مواهب وكفاءة وموهبة، وإذا لم يقم هذا الشخص بتمثيل مصالح الجهة التي أرسلته فلن يستمر في مكانه»، موضحاً في هذا الإطار أن الاتفاق على مكافآت أعضاء مجلس الإدارة منذ البداية هو أمر مهم، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أننا في الكويت بحاجة إلى خلق سوق أعمق من المواهب المؤهلة التي يمكن توظيفها في مجالس الإدارات من الكويت ومن السوق العالمي كأعضاء مستقلين، مع توفير ما يتطلبه ذلك من حوافز معنوية ومادية.