حروف باسمة

تأمل في صفحات الليل

16 يناير 2023 11:00 م

الليل مساراتهُ طويلة ومداه متعدّد الألوان، ومختلف الصور، ومتشعب الأرزاق، استهوى كثيراً من الأدباء والشعراء، فتغنوا فيه وأشاروا إلى معانيه وصوره كما بيّن الأستاذ طلال السعيدي في برنامجه الإذاعي «أغاني ومعاني»، فكم من ليل طال على عاشق وكم من محب ناجى طيف حبيبه بعد أن أرخى الليل سدوله وكم من صبيٍّ مستهام سالت دموعه بهذا الليل... ولننظر إلى شعراء هذه الديرة الطيبة وما قالوهُ عن السهر ومكابدته.

فهذا فهد بورسلي يقول:

جزى البارحة جفني عن النوم

جزى من غرابيل الزمان

صبرت أمس مع قبل أمس واليوم

وأشوف العشر تصفي ثماني

وهذا الشاعر عبدالله الحبيتر يقول:

البارحة واليوم نوم الملى ما جاني

حاربت حلو النوم ومن التعب سهراتي

وهذا عبدالله البصيري يقول:

سهرت الليل ودموعي تهلي

جرى لي ما جرى للعاشقين

وكذلك الدكتور عبدالله العتيبي يقول:

يا ساهر الليل مثلي ما تنام

ذكرتني بالأحبة يا حمام

إذاً، ليل العاشقين كم هو طويل، ولو عدنا إلى الشعر العربي الفصيح لوجدنا بشار بن برد يقول:

طال هذا الليل بل طال السهر

ولقد أعرف ليلي بالقِصر

وهذا المتبني يقول:

ليالي بعد الضاعنين شكولُ

طوالٌ وليل العاشقين طويل

أمّا عبدالمحسن الرفاعي، رحمهُ الله، فيقول:

عيني ضناها السهر

من حب ظبي جفاني

هكذا تعدّدت الآراء وتباينت وجهات النظر في تأمل صفحات الليل.

وإن لهذا الليل ذكريات جميلة في الزمن الجميل.

ما أجمل السطوح في وقت الصيف عندما يركن الإنسان الى فراشه، ويتأمل نجوم السماء وهو ينظر اليها في روعة صفائها فإنه يشعر بالراحة والطمأنينة.

وما أطول ليالي الكادحين على ظهر السفينة وهم يكدون من أجل استجلاب لقمة العيش، فإنها ليالٍ طويلة ممزوجة بالأمل والرجاء.

هكذا سمات الليالي التي تكون مرهقة، الساهرون فيها مهما تعدّدت أسباب سهرهم فهؤلاء المجدون الذين يسهرون من أجل الاستذكار والمراجعة فهم ينشدون أملاً لمستقبل مشرق.

الناس تكد وتعمل، ويكون الليل لبعضهم مسرحاً للعمل كما نجد في أعمال بعض الناس الآن في وقتنا الحاضر وفي الزمن الجميل الذي استطاع رجاله أن يحققوا أطيب الثمرات في كدهم وكدحهم ومثابرتهم بالليل والنهار.

وصدق القائل:

رجالٌ حموها وهي صحراء بلقع

وقد طوفوا من أجلها البر والبحرا