قيم ومبادئ

وهم إرادة الشعوب

5 يناير 2023 11:00 م

لا تكاد تجد إعلاناً عالمياً لحقوق الإنسان أو ميثاقاً عاماً أو مجلساً دولياً أو حتى إقليمياً، إلّا وتجده ينص صراحة على مصطلح إرادة الشعوب... بل نسجوا من ذلك مبادئ سامية وشعارات تظهر في وقت الأزمات ثم تغيب مع غروب شمس ذلك اليوم!

وهكذا دارت رحى النظام العالمي على مدى قرن من الزمان في سياسته للعالم الثالث... ويبقى لنا أن نتساءل هل بقيت إرادة الشعوب كما هي مُصانة من التلاعب بها داخلياً وخارجياً؟ أم هي تتبع لمصالح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن؟

فتارة تدعمها وأخرى ترفضها وتحورها وصولاً إلى ترسيخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإقامة الهياكل الأممية والمنصات الدولية لبناء إطار شرعي وقانوني لتأمين مصالح تلك الدول المسيطرة.

وفي كواليس الملفات الدولية تضمحل إرادة الشعوب حتى ران عليها الغبار والعثار في رفوف مكتبة الأمم المتحدة فعشش عليها العنكبوت ونسجت خيوطها فأصبحت جزءاً من الماضي الأسود.

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى في عالمنا المتحضر حيث يمكن أن يُقال إن مصالح الدول الكبرى لا تعرف للشعوب إرادة غير إرادتها هي إذا ما تعارضت معها وتكون كفة المصالح هي الراجحة في ميزان تكافؤ القوى، وعليه فإن إرادة الشعوب يجب أن تكون موازية لمصالح الدول العظمى وإلا سيكون مصيرها الثورات والانقلابات والمقاطعة وإطلاق قيود الأعداء عليها لافتراسها وتمزيق جسدها وفقاً لأطماعهم ولا يهمهم بعد ذلك نزيف الدماء وآلاف النازحين والجرحى والخراب وتوالي نداءات الإغاثة ويتجلى اليوم بشكل سافر كيف دس الأوروبيون أنوفهم في الشأن الداخلي لبلاد المغرب العربي تونس، الجزائر، ليبيا، المغرب والسودان واليمن وغيرها حيث حرّكوا التنظيمات والخلايا النائمة في عمليات تتحدث عن التغيير والمشاركة في الحكم وهذه مشكلة الأحزاب السياسية التبعية للخارج فلم تفلح في تقديم أي مشروع وطني للإصلاح السياسي أو الاقتصادي لأنها لا تملك رؤية ولا تصوراً إلّا ما هو موجود في جُعبة الأوروبيين!

وهي ثقافات ورؤى أوروبية أميركية تقدم شعارات فضفاضة ومصطلحات حقوق وحريات ومساواة وعدالة ونهضة مع استمرار الانهيارات الاقتصادية في لبنان والعراق والتوحشات العسكرية وشيوع ثقافة القتل وتحويل الشعوب إلى عصابات مافيا تخدم المشاريع الخاصة بالرموز السياسية فانعدم التوازن وغاب الاستقرار ولم نحصل إلّا على قوانين مرتعشة غير صالحة للتطبيق كل هذا يتم تحت ذريعة إرادة الشعوب!

وبرز عندنا في الكويت بعض الإسلاميين الذين يُفتون في السياسة، فأصبحنا نجد فيهم مَنْ يُطالب باحترام إرادة الشعوب وبأن الشعب له رأيه وقد يختار الشعب فاجراً أو سارقاً للمال العام فماذا سيقول الإسلاميون الدائرون في فلك أوروبا وأميركا؟

تذكر كتب التاريخ مع زيادة المدّ الشيوعي الاشتراكي في 1940 برز كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» لسيد قطب - رحمه الله - وكان قد تأثر بفكر الأحزاب والتيارات الغربية واعتبروا الصحابي الجليل الذي يمثل إرادة الشعوب أبا ذر الغفاري راعي الاشتراكية في الإسلام.

وبهكذا أسلوب أصبحنا نسلّك الإسلام ونكيّفه مع الموجات، وكلما خبت موجة ظهرت أخرى، حتى أصبحنا نسمع، لا فرق بين المرأة والرجل، والشذوذ والفطرة مع وحدة الأديان والاحتفال بالكريسماس، لأن هذه إرادة الشعوب.

وبالتالي تربت الأجيال تلو الأجيال مع تزايد الشعور بالنقص في الثقة بالنفس والاستعلاء بالعزة والولاء والبراء فضاعت الشخصية وهذا يتطلب بذل المزيد من الجهود لإرجاع الأمة الإسلامية لهويتها وإرادتها الأصيلة لا الدخيلة.

فهويتنا اليوم ضائعة، إلا من رحم الله، فلماذا لا تكون عندنا الشجاعة الأدبية لإظهار الحق المجرّد عن المصالح الذاتية؟ لماذا لا يتربى على ذلك الطلاب؟ لماذا لا يكون عندهم الاستعداد لقبول القيم والاستعداد لإعلانها وإلا فلا فائدة من التعليم والشهادة؟

كم عدد الخريجين عندنا كل عام، وكم عدد الدكاترة وأساتذة الجامعات في كليات التربية والعلوم الاجتماعية والشريعة؟ لكن ما الذي أماتهم، فاختفت علومهم، لماذا لا يُظهرون الحق الذي تعلموه؟ وترى الكثير منهم يملكون من الحقائق والمعارف والعلوم ولكنهم يكتمونه ولا يُظهرونه، فما الفائدة؟

الخلاصة:

إرادة الشعوب لا تحتاج ثورة إنما علماء يقودون ويُصلِحون ويطبّقون وليس سياسيين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون!