أما بعد...

تركيز القوى

3 ديسمبر 2022 11:00 م

إنّ العالم مُبتلى بانتشار الانقسام فيه أكثرَ وأكثر، ففي كل بلد توجد جماعات وأحزاب وتكتلات سياسية وحتى على المستوى الفردي فهناك شخصيات مستقلة كانت متوافقة في طرحها ولكن نجدها اليوم في خِصامٍ مُبين.

فنحن جميعاً في حال تشتت كُلّي، وانتشار متوزّع، ولا نكاد نقدر على إبقاء عقولنا مركّزةً في اتجاه واحد قبل أن تتجاذبنا عشرة اتجاهاتٍ أخرى. فمستوى الصراع والتناحر والفرقة في عالمنا اليوم أعلى من ذي قبل بكثير، ومن المؤسف أننا أدخلناه في صميم حياتنا.

إنّ الحل يكمن في نوعٍ من أنواع التقهقر، ولكن ليس إلى الوراء بل إلى داخل أنفسنا، إلى الماضي وإلى أنواع التركيز في الفكر وفي العمل.

وكما كتب الفيلسوف الألماني والمفكّر الفذ، شوبنهاور (العقل حجم من التركيز والكثافة، وليس حجماً من الاتساع والامتداد).

وكان نابليون يعرف قيمة تركيز القوى ضد أضعف نقط الخصم - إذ كان ذلك سرُّ نجاحه في ميدان القتال -.

ولكن قوة إرادته وعقله كانت مقبولة بشكل مماثل حول هذه الفكرة. فوضع هدف واحد في الذهب، والتركيز الكلي على هذا الهدف واستخدام هذه المؤهلات ضد الناس الأقل تركيزاً؛ الناس الذين هم في حالة تشتت - فمثل هذا السهم يصيب هدفه في كل مرة ويتغلّب على الخصم.

إنّ أي جماعةٍ سياسية تربط مركز قوتها بجهةٍ معينة أو شخص وحيد فإنها تنطوي على خطر جلل. فماذا إذا انحلت هذه الجهة الحامية أو تفككت، أو غادر هذا الشخص، أو سقط من عليائه! إنها ستعاني الأمرين بلا شك.

وهذا تحديداً ما حدث مع الدوق الإيطالي سيزار بورجيا، الذي كان يستمد قوّته من والده البابا الكساندر السادس.

فقد كان البابا هو الذي أعطى سيزار بورجيا، جيوشا يقاتل بها، وحروباً يخوضوها باسمه، فعندما سُمّمَ البابا ومات فجأة صار الدوق سيزار، كالميّت. فقد كسب أعداء كثيرين على مدى سنين وخسر حماية أبيه البابا.

إذاً، فإن الحالات التي تحتاج فيها الجماعة السياسية إلى حماية فإن كثيراً ما يكون من الحكمة أن تلتف وتتسلق حول مصادر عدة للقوة. ومثل هذه التكتيكات تكون حكيمة بصورة خاصة في فترات الاضطراب الكبير والتغيير العنيف، أو عندما يكون لها أعداء عديدون متربّصون بها.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com