البنك يتميز بسياسات مالية رصينة وحصافة في إدارة الأزمات

«الوطني» في ذكرى تأسيسه الـ 70: من 3 دكاكين إلى منارة مصرفية... يهتدي بها القاصي والداني

13 نوفمبر 2022 11:00 م

- عصام الصقر: قصة التأسيس على يد رجالات الكويت الأخيار تبثّ فينا العزيمة والمسؤولية
- «الوطني» ساهم في تأسيس معظم الشركات الرائدة في كل قطاعات الاقتصاد
- التأسيس تزامن مع بدء ترسية قواعد دولة حديثة بحاجة لمؤسسة مالية وطنية
- البنك انسجم مع الحسّ القومي للمجتمع الكويتي ودعمنا العديد من القضايا العربية
- دورنا الوطني بدأ مع التأسيس وكنّا أكبر ممولي المشروعات التنموية منذ الستينات
- حذرنا من أزمة سوق المناخ ودعمنا جهود الحكومة والمقاصة في تحصيل الشيكات
- استمرار عملنا من لندن كان رمزاً للصمود بوجه الاحتلال والتمسك بسيادة الكويت
- «كورونا» أكدت صلابتنا وأبرزت قدرتنا على دعم جهود الدولة في الأوقات الاستثنائية

يحتفل بنك الكويت الوطني بمرور 70 عاماً على تأسيس الصرح المصرفي الشامخ، وذكرى مسيرة خير ونماء بدأها رجالات الكويت الأخيار، وتسلم الراية من بعدهم كوادر وطنية ساروا على الدرب، متمسكين بما رسّخه الآباء المؤسسون من قيم الالتزام بمسؤولياتهم تجاه المجتمع، فأكملوا المسار ورسموا تاريخاً يزخر بالمواقف الناصعة والأدوار الوطنية البارزة، ومهدوا لدرب تملأ جنباته النجاحات لجيل قادم يحمل ثقافة لا تعرف نهاية للطريق، سوى الوصول للهدف ليتقلّد قيادة «الوطني»، الذي أصبح منارة مصرفية يهتدي بها القاصي والداني، بما تقدّمه من سياسات مالية رصينة وحصافة في إدارة الأزمات.

وبهذه المناسبة، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة «الوطني»، عصام الصقر: «نستلهم من قصة تأسيس البنك ومسيرته الممتدة على مدى عقود روح المسؤولية الوطنية ونستقي الدروس المستفادة من كل التفاصيل المتعلقة بالتأسيس، وما مرّ به خلال 70 عاماً من نجاحات وأزمات وكيف استطاع أبناؤه تجاوز التحديات والأوقات العصيبة».

وأضاف الصقر أن تأسيس «الوطني» قبل 7 عقود كان بمثابة محطة فارقة في تاريخ الكويت، وبدء الاستقلال الاقتصادي الذي مهد في ما بعد لاستقلال البلاد، مؤكداً أنه لطالما كان البنك شريكاً فاعلاً وحاضراً بقوة في عصر النمو والازدهار بعد تصدير النفط، إذ ساهم في تأسيس الشركات الوطنية الرائدة في جميع قطاعات الاقتصاد وقدّم التمويل اللازم لإطلاق المشاريع التنموية والبنية التحتية.

وتابع الصقر أن دور «الوطني» كان أكثر أهمية في الأزمات التي استطاع أن يتخطاها، ويخرج منها أقوى وأكثر بريقاً، مبيناً أنه لم يكتفي بذلك بل كان يقدّم المساعدة للمؤسسات الحكومية والعملاء الأفراد والشركات، ويعزّز جهود المجتمع المدني في التصدي لتداعيات الأزمة.

وأشار الصقر إلى أن «الوطني» استطاع أن يقدم نموذجاً يحتذى في ضرورة التزام القطاع الخاص بالمسؤولية تجاه المجتمع، على صعيد العمل الخيري وما قدّمه من استثمارات هائلة على مرّ السنين، وتدريب الكوادر الوطنية، لتأهيل أجيال قادرة على تحمل المسؤولية ومواصلة النجاح.

مطلب شعبي

يسرد الصقر قصة التأسيس وبدأها بظروف ما قبل فتح البنك أبوابه، بحيث سيطر البنك الإمبراطوري البريطاني على العمل المصرفي بالكويت طوال 10 سنوات ولم تكن خدماته مُرضية للكويتيين كما لم يعلن عن أرباحه ولم تكن له أي مساهمات مجتمعية.

وتطلع الكويتيون إلى بنك وطني يساهم بتمويل التنمية وتسهيل التجارة ويحفظ أموالهم وتعود أرباحه إلى الكويتيين، وقد نشر الطلبة المبتعثين للقاهرة بعض الأفكار في ذلك الشأن بمجلة البعثة.

وجاء رفض تقديم البنك الإمبراطوري اعتماداً لصالح خليفة خالد الغنيم «كالقشة التي قسمت ظهر البعير»، إذ تطورت بعدها الأحداث، بحيث أجمع التجار أمرهم على تأسيس بنك وطني، وما كان من الأمير الشيخ عبدالله السالم رحمه الله سوى الموافقة وتقديم الدعم الكامل.

أيقونة الحي المالي

وقال الصقر إن «الوطني» فتح أبوابه في 15 نوفمبر 1952، من خلال أول مقرّ بالشارع الجديد (شارع عبدالله السالم حالياً)، في مدخل الشارع الشمالي مقابل الجمرك البحري، وكان عبارة عن 3 دكاكين متلاصقة.

وأضاف «مرّت سنوات قليلة وأردنا التوسّع وتقدّمنا بطلب تخصيص أرض وانتظرنا سنوات بعدها لنحصل على الأرض ونبدأ البناء في 1961، وفي مطلع أبريل 1963 تم افتتاح المقرّ الرئيسي الجديد وقتها في شارع عبدالله السالم، وكان عبارة عن مبنى كبير متعدّد الأدوار يناسب التوسّع في الأعمال وعدد الموظفين وطبيعة ما نقدمه من خدمات».

وتابع: «اليوم يمكنك أن ترى المقر الرئيسي الحالي للبنك أحد معالم الحي المالي في قلب العاصمة، وكنموذج يحتذى في المباني الخضراء الحديثة التي تطبق أحدث معايير الاستدامة البيئية وتوفير أفضل بيئة عمل ممكن لموظفينا».

ريادة ممتدة

منذ صدور المرسوم الأميري في 19 مايو 1952، استغرق البنك 7 أشهر في عملية التأسيس وبدأ تقديم خدماته في نوفمبر من العام نفسه، إذ بين الصقر أن «الخدمات التي يقدمها كانت بسيطة إذا نظرنا لها اليوم، لكنها كانت أساسية وتمثّل تطوراً كبيراً وقتها، وسط تركز العملاء في بدايته بالدوائر الحكومية والتجار وبعض الأفراد، الذين قدمنا لهم خدمات مثل فتح حسابات، وإجراء تحويلات مالية بالعملات الرئيسية وهي الروبية الهندية والجنيه الإسترليني والدولار وفتح اعتمادات مستندية».

وأضاف الصقر أنه على مدى سنوات، ظل «الوطني» حريصاً على تقديم أحدث الخدمات لعملائه، ما ساهم بحفاظه على ريادته المصرفية الممتدة منذ عقود، والتي انعكست اليوم بتقديم أحدث الخدمات المصرفية الرقمية وأكثرها تطوراً.

وعن دعم «الوطني» للقضايا العربية، أوضح الصقر أن الفترة الممتدة من الخمسينات إلى السبعينات شهدت سيطرة حس قومي عالٍ للغاية على المستوى الشعبي والرسمي، وقد انسجم البنك مع ذلك التوجه كجزء من المجتمع.

وساهم «الوطني» في دعم العديد من القضايا العربية الكبرى مثل التبرع لمصر بعد العدوان الثلاثي عليها سنة 1956، والتبرع للجزائر إبان فترة الاستعمار الفرنسي، والتبرع لمصر أيضاً بعد حرب 1967، ومناصرة ودعم العديد من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

توسع إقليمي

جاء تقديم التمويل والدعم للمؤسسات المالية العربية ودعم الاستقلال والتطور الاقتصادي للدول العربية، بحيث ساهم «الوطني» في تأسيس بنك دبي المحدود في عام 1963، كما ساهم بنسبة كبيرة من رأس المال وتأسيس بنك الريف في بيروت عام 1965، وقدّم قرضاً للبنك المركزي المصري بقيمة 9.5 مليون دينار عام 1966.

وقال الصقر: «تحولت إستراتيجية (الوطني) بعد ذلك إلى العمل بالدول العربية والانخراط في نظامها المصرفي وتمويل التنمية الاقتصادية فيها، من خلال التوسّع خارج الكويت، إذ نتواجد اليوم في عواصم عربية وأبرزها القاهرة والرياض».

محطات بارزة

وأكد الصقر أن تأسيس «الوطني» كان بداية للاستقلال الاقتصادي وتأكيد جهوزية الكويت للاستقلال السياسي عن بريطانيا، وأن الكويت قادرة على إدارة شؤونها المصرفية داخلياً وخارجياً.

وأوضح الصقر أن «الوطني» قام بدور البنك المركزي وشارك في استبدال العملة المتداولة في الكويت مرتين، الأولى عند استبدال الروبية الهندية بأخرى جديدة في 1959 والثانية عند استبدال الروبية بالدينار سنة 1961.

وأفاد بأنه بداية من فترة الستينات حتى نهاية الثمانينات، كانت حقبة ازدهار ونمو، وقد لعب البنك دوراً بارزاً في دعم الاقتصاد، عبر تقديم التمويل وإطلاق أحدث الخدمات المالية وحلول الدفع وتسهيل العمليات التجارية مع بقية دول العالم. وأضاف الصقر: «امتد ذلك الدور الوطني حتى يومنا فنحن اليوم أكبر ممول للمشاريع التنموية ومشروعات البنية التحتية في البلاد، كما نستحوذ على 75 في المئة من تعاملات الشركات الأجنبية في الكويت».

وشدّد الصقر على أن «الوطني» دائماً ما يخرج من الأزمات أكثر بريقاً وبدايةً في أزمة المناخ 1982، بحيث امتنع عن إقراض المواطنين المراهنين على أسهم شركات سوق المناخ، لرؤيته أن السوق الذي يعمل بتلك الطريقة لن يستمر وستحدث أزمة حذّر منها كثيراً، مبيناً أنه كان البنك الوحيد الذي لم يتأثر بانهيار السوق كما دعم جهود الحكومة بالمساعدة في تحصيل الشيكات والتعاون مع شركة المقاصة.

وكشف أنه إبان الغزو عام 1990، كان استمرار عمل «الوطني» من لندن رمزاً على الصمود في وجه الاحتلال، والتمسك بسيادة الكويت إلى جانب دعمه المواطنين المقيمين في الخارج وتقديم مبالغ مالية لبعضهم، بالإضافة إلى مرحلة الإعمار بعد انتهاء الغزو وتدبير أكبر قرض في المنطقة وقتها لصالح الحكومة بقيمة 5 مليارات دينار.

وأشار الصقر إلى ما كتبته جريدة «Financial Times» وقتها عن عمل إدارة البنك من لندن وفريق العمل بالكويت «لأول مرة في التاريخ يستطيع جسدٌ مبتورٌ من رأسه أن يجعلَ كل أطرافه تعمل بتناسق وفعالية».

وبيّن أنه في الأزمة العالمية عام 2008، لم يتعرض «الوطني» لحجم الخسائر التي أصابت بقية البنوك، إذ أثبت نجاح إستراتيجيته المتعلقة بحصافة إدارة المخاطر وتنويع إيراداته جغرافياً وقطاعياً، وهي السياسة التي توارثتها أجياله ويلتزم بها حتى اليوم، بحيث أثبت أنه يخرج أقوى من الأزمات.

وكشف أن جائحة كورونا أكدت صلابة «الوطني» في مواجهة الأزمات وأبرزت قدرته الفائقة على دعم جهود الدولة في الأوقات الاستثنائية، بحيث ساهم في مبادرتي بنك الكويت المركزي بتأسيس صندوق بقيمة 10 ملايين دينار، ووقف اقتطاع أقساط القروض، كما قدّم بشكل منفرد تبرعات عينية متنوعة أبرزها تبرع لجمعية الهلال الأحمر بمليون دينار.

نموذج يُحتذى

وقال الصقر «مسؤوليتنا تجاه المجتمع راسخة وتراثنا يؤكد تمسكنا على مرّ السنين بأداء مسؤوليتنا تجاه المجتمع، يقيناً منا بأن تنمية المجتمع ركيزة أساسية من أجل تحقيق النمو المستدام، والتزامنا بمسؤوليتنا تجاه المجتمع بدأت مع التأسيس ليس فقط على صعيد دورنا في دعم الاقتصاد الوطني وإنما بمساهمات اجتماعية خيرية ورعاية للمبادرات في جميع المجالات».

شراكة فريدة

التقى نخبة من تجار الكويت الشيخ عبدالله السالم وناقشوا معه تأسيس بنك وطني كشركة مساهمة ووجدوا منه كل ترحيب، إذ شملت قائمتهم:

خالد الزيد الخالد.

أحمد السعود الخالد.

خالد العبداللطيف الحمد.

خليفة خالد الغنيم.

سيد علي سيد سليمان الرفاعي.

عبدالعزيز حمد الصقر.

محمد عبدالمحسن الخرافي.

يوسف أحمد الغانم.

يوسف عبدالعزيز الفليج.

واتفق التجار على المساهمة في إنشاء البنك، وطلب خالد عبداللطيف الحمد من الشيخ عبدالله السالم المساهمة معهم، فدفع سموه مليوني روبية، في وقت جمع المؤسسون 13 مليوناً ومئة ألف روبية، وهو رأسماله، الذي تم توزيعه على 131000 سهم، قيمة كل منها ألف روبية.

تجربة ناجحة

أرجع الصقر نجاح تجربة «الوطني»، لمجموعة من العوامل، أبرزها تزامن تأسيس البنك مع بدء ترسية قواعد دولة حديثة تحتاج مؤسسة مالية وطنية، بحيث كانت هناك حاجة ملحة لوجود بنك وطني لتلبية احتياجات المواطنين والتجار والدولة، وبينما زادت السيولة لدى الدولة والأفراد عن طريق إيرادات النفط والتثمين، احتاجوا مكاناً يثقون به لإيداع أموالهم.

وذكر أنه بعد تصدير النفط، شملت تلك النهضة كل المجالات وكانت هناك حاجة لبنك وطني في ذلك الوقت يقدّم خدمات التمويل وبقية الخدمات المصرفية اللازمة.

وذكر أن ما عزّز نجاح التجربة أيضاً تعاون «الوطني» مع مجلس الإنشاء والتعمير الذي أنشئ عام 1951، كما قدم الخدمات المصرفية والتمويلية الشركات الأجنبية العاملة في الكويت.

دور وطني

أكد الصقر أنه كان للبنك الدور الوطني، الذي تزامن مع تأسيس الكويت الحديثة، مبيناً أنه قام بتمويل مشاريع البنية التحتية في جميع المجالات والتي انطلقت بوتيرة سريعة وقتها.

وأفاد بأنه على صعيد النشاط الاقتصادي، ساهم البنك في تمويل العديد من الشركات الحكومية والخاصة، وتقديم الاستشارات المصرفية والاستثمارية، إذ أصبحت تلك المؤسسات رائدة في قطاعاتها حتى الآن.

ويأتي ذلك في وقت فتح «الوطني» باب العمل أمام المواطنين في القطاع الخاص، وساهم في نشر الثقافة المالية، وقدّم نموذجاً للمؤسسات الناشئة وقتها، بما يخص التنظيم المؤسسي وكيفية أداء الدور الوطني والمجتمعي.