عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد شكّل الفترة الذهبية لإطلاق مشاريعها

الكويت فطنت للخصخصة منذ 30 عاماً فهل يتحرّك قطارها مجدداً... بعد توقف عقدين؟

12 نوفمبر 2022 11:00 م

- بيع الشركات العامة بدأ صغيراً قبل الغزو ونضج بين 1994 و2001
- الخصخصة نقلت «زين» إلى الإقليمية ومدّدت «أجيليتي» بـ 6 قارات
- توقف عجلة التخصيص منذ إقرار قانونه في 2010 باستثناء «البورصة»
- الخصخصة تخفّف أعباء التوظيف الإلزامي وتحمي من مخاطر تقلبات النفط

عندما يدور الحديث عن الخصخصة في الكويت، فإنّ الذاكرة تنعطف حكماً إلى عهد سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، حيث الفترة الذهبية لرواج الخصخصة في الكويت وانطلاق محرّكاتها، لتخرج مع ذلك شركات عدة من عباءة الحكومة وبيروقراطية القطاع العام، ولتنتعش نمواً وحجماً وعلامة في رحاب القطاع الخاص، إلى الحدود التي شكّل العديد منها قصص نجاح إقليمية وعالمية.

وربما لا تعد مجافاة للموضوعية القول إن الكثير من تلك الشركات بات يشكّل علامات مضيئة في قطاعاتها، وسفيراً اقتصادياً واستثمارياً للكويت، بعد أن تعدى حضورها الفاعل السوق المحلي للإقليمية مثل «زين» التي باتت متواجدة بأسواق أفريقيا والشرق الأوسط وإلى العالمية مثل «أجيليتي» الممتدة في 6 قارات.

ولا يعد سراً أن الكويت، فطنت لأهمية الخصخصة كمنهج اقتصادي سليم وجنت فوائدها منذ أكثر من 3 عقود، عبر بيع حصص مؤثرة للهيئة العامة للاستثمار في شركات حكومية، وهو ما بدأ بمحاولات صغيرة قبل الغزو العراقي للبلاد وفي السنوات الأولى بعد التحرير، لتنطلق بزخم أكبر منذ منتصف عام 1994 وحتى العام 2001، حيث أتمت «هيئة الاستثمار» عمليات بيع رئيسية لملكياتها في العديد من الشركات، منها على سبيل المثال لا الحصر، شركة المخازن العمومية «أجيليتي»، و«الصناعات الوطنية»، و«الوطنية العقارية»، وشركة الاتصالات المتنقلة «زين» وغيرها.

ولعل المتتبع لأداء تلك الشركات قبل وبعد خروجها من مظلة الحكومة، يجد فارقاً كبيراً، وكيف كان للخصخصة دور مهم في تحسين إنتاجيتها وبلوغ مستويات من التوسع لم تكن لتصلها لو ظلت تحت الوصاية الحكومية، إضافة إلى فوائد أخرى جناها الاقتصاد الوطني بزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.

وإذا كانت الحكومة قد حققت مكاسب مادية من صفقات بيعها لحصص مؤثرة في تلك الشركات، فإن هذه المكاسب لم تكن أكبر فوائد الخصخصة بالنسبة لها، إذ أدت تلك التخارجات إلى تحرر الحكومة من الأعباء المالية المترتبة على إدارتها وتشغيلها للشركات التي تمت خصخصتها مالياً ووظيفياً، ما يعني تخفيف عبء التوظيف على الميزانية العامة، كما وفّرت الخصخصة للمواطنين فرصاً استثمارية جديدة ومتنوعة في أكثر من قطاع اقتصادي.

نجاحات مشهودة

ورغم أن معظم عمليات الخصخصة التي ذكرناها حققت نجاحات مشهودة، فإننا نضيء على سبيل المثال، على نموذجين سجّلا قفزات نوعية تحت مظلة القطاع الخاص، إذ شهد أداء «أجيليتي» تطوراً ملحوظاً منذ خصخصتها في عام 1997، حتى باتت شركة عالمية في القطاع اللوجستي وابتكارات سلاسل الإمداد وبنيتها التحتية، بعشرات الآلاف من الموظفين في 6 قارات حول العالم، إضافة إلى استثماراتها المتعددة في قطاعات أخرى كخدمات الطيران، كما استطاعت «زين» التي تأسست في عام 1983 كأول مشغّل لخدمات الاتصالات المتنقلة في الكويت، منذ خصخصتها في عام 2001 أن تحقق توسعاً سريعاً، لتصبح مزوّداً رائداً لخدمات الاتصالات المتنقلة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال الاستحواذ على شركات اتصالات عديدة في المنطقة.

ماذا بعد؟

بعد هذا العصر الذهبي للخصخصة في الكويت، تكاد تكون شمعتها انطفأت، إذ إنه ورغم مرور 12 عاماً على إقرار القانون رقم 37 لسنة 2010 في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص، لم يتم تخصيص مرفق حكومي واحد، باستثناء عملية خصخصة ناجحة تمت في أواخر 2019، متمثلة بخصخصة بورصة الكويت، والتي لمس الجميع أثرها في تحسن أوضاع سوق الكويت للأوراق المالية وانضمامها لمؤشرات عالمية ضمن الأسواق الناشئة.

هذه الأوضاع تحتّم المراجعة لتصحيح المسار الاقتصادي بزيادة مشاركة القطاع الخاص في قيادة العملية التنموية كي تكون من أولويات برنامج عمل الحكومة، الأمر الذي يطرح أسئلة مستحقة، لعل أبرزها: هل سيعود قطار الخصخصة في الكويت للتحرك من جديد؟ وهل سترى الخطة الحكومية التي جرى الحديث عنها أواخر العام الماضي لتخصيص نحو 38 جهة ونشاطاً حكومياً طريقها إلى التنفيذ، لينتقل بذلك القطاع العام من جهاز تشغيلي إلى جهاز رقابي مسؤول عن السياسات العامة؟ لا سيما في ظل ما أكدته تقلبات أسعار النفط خلال الفترة الماضية من ضرورة تخفيف الأعباء المالية والوظيفية على الدولة، والاعتماد على القطاع الخاص في تحسين أداء المرافق والشركات العامة عبر خصخصتها.