بعدما قضى عليها نوع من الفطر

هل تعود الحياة إلى الكستناء الأميركية؟

27 أكتوبر 2022 10:00 م

كان لأشجار الكستناء الأميركية عصر ذهبي في الولايات المتحدة، وأهمية فائقة للحيوانات والبشر على السواء في المنظومة البيئية للساحل الشرقي، قبل أن تفتك بها الأمراض الزراعية، ويتسبّب نوع من الفطر في القضاء على الملايين منها، فيما تتكثف الجهود لإعادة الحياة إلى هذا النوع.

ويشير فاسيلي لاكوبا، وهو مدير الأبحاث في مؤسسة الكستناء الأميركية (ايه سي اف) التي تعمل منذ ثمانينات القرن الفائت على إعادة الحياة إلى هذا النوع، إن «أشجار الكستناء الأميركية كانت تحظى بأهمية كبيرة في المنظومة البيئية لشرق أميركا الشمالية، قبل أن يقضي عليه أحد الأمراض».

رمز الساحل الشرقي

وشجرة الكستناء الأميركية التي كانت تُشكّل رمزاً للساحل الشرقي، استخدمها سابقاً البشر والحيوانات مستفيدين من ثمارها وأخشابها.

إلا أن نوعاً من الفطر رُصد عام 1904 في حديقة حيوانات برونكس في نيويورك على شجرة مُستقدمة من اليابان، انتشر بسرعة وقضى على ملايين الأشجار في أقل من ثلاثة عقود.

ويقول فاسيلي لاكوبا لوكالة فرانس برس إن «القضاء على الأشجار حدث بسرعة كبيرة».

وحالياً، لا يبقى على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ سوى عدد قليل من الأشجار.

عالية ومستقيمة

وتقع مزرعة الأبحاث الرئيسية لمؤسسة الكستناء الأميركية في جبال الأبلاش وتمتد على مساحة 36 هكتاراً، فيما تضم عشرات الآلاف من الأشجار.

وخلال أحد أيام حصاد الكستناء في أوائل أكتوبر، يقول جيم تولتون، أحد العمّال الفنيين في المزرعة، مازحاً إن «الأمر مشابه لقطف التفاح لكن مع أشواك».

ويجري قطف الكستناء المغلفة بقشرة ذات أشواك كثيفة باستخدام رافعة، ثُم تُفصَل القشرة عن اللب داخل مستودع وتخضع للدراسة وتُستخدم لإنتاج نباتات مستقبلية.

وقبل أن يفتك الفطر بها، كانت أشجار الكستناء الأميركية «تنمو في الغابة عاليةً ومستقيمةً، على ما يوضح لاكوبا.

إلا أن تقرحات بدأت تظهر على أغصان الأشجار عقب رصد الفطر فيها، وهي حالة تُسمّى بـ«سرطان الأشجار».

ولمكافحة هذا المرض، تنبت الأشجار أغصاناً بصورة عشوائية فيها، ما يعطيها مظهراً كثيفاً بدل الشكل المستقيم الذي كانت عليه.

ولم يجر التوصل حتى اليوم إلى أي علاج من شأنه وضع حدّ لانتشار هذا المرض.

تلقيح وتعديل وراثي

وتتمثل مهمة مؤسسة الكستناء الأميركية في إيجاد طريقة تجعل أشجار الكستناء الأميركية تقاوم هذا النوع من الفطر.

وللتوصل إلى هذا الهدف، اعتُمدت طريقتان بحثيتان رئيسيتان، تتمثل الأولى التي انطلقت منذ سنوات في عملية تلقيح بين شجرة الكستناء الأميركية وأنواع أخرى تستطيع مقاومة الفطر كشجرة الكستناء الصينية.

أما الهدف من هذا البحث الذي جرت فيه عمليات تلقيح كثيرة مدى سنوات عدة، فهو في الحصول على أشجار كستناء أميركية مقاومة للفطر، مع المحافظة على الخصائص الجينية الأساسية بأكبر قدر ممكن.

ويوضح لاكوبا أن «أحد الجوانب السلبية لعمليات التلقيح هو أن مقاومة الأمراض أصبحت تمثل إعادة تركيب جيني معقد أكثر مما كان متوقعاً».

ولم يتخلَّ باحثو مؤسسة الكستناء الأميركية عن الطريقة البحثية الأولى، لكنّ طريقة ثانية جرى التوصل لها منذ سنوات عدة وتتمثل في التعديل الجيني.

فمن خلال العمل على نسخة معدلة وراثياً من شجرة الكستناء الأميركية، طوّر باحثون من جامعة ولاية نيويورك في سيراكيوز نموذجاً يشير إلى «نتائج مبكرة واعدة جداً» لمقاومة الأمراض، بحسب فاسيلي لاكوبا الذي يتعاون مع هؤلاء الباحثين.

ويلفت لاكوبا إلى أنّ جمع الطريقتين البحثيتين قد يفضي إلى «نتائج أفضل».

«قرنان أقلّه» وبمجرد نمو شجرة واحدة مقاومة للفطر، ستتحول المهمة إلى إعادة زرع شجرة الكستناء الأميركية على نطاق واسع. لكنّ هذه الخطوة أصبحت تتسم بالتعقيد بسبب الأضرار التي طالت الطبيعة خلال القرن الفائت في ظل فقدان أشجار الكستناء الأميركية.

ويقول فاسيلي لاكوبا إن «تغييرات كثيرة حصلت في ما يتعلق بالمناخ والأنواع الغازية والتلوث والموائل واستثمار الأراضي وتآكل التربة»، مشيراً إلى أن «العالم اليوم ليس كما كان قبل 100 عام».

ويتوقّع الباحث أن تتعرّض أشجار الكستناء الأميركية وأنواع أخرى إلى «ضغوط مستمرة» مستقبلاً بسبب التغير المناخي.

ويتابع «سيصل في العالم أجمع مزيد من الطفيليات وسنكون أمام عدد أكبر من الأمراض (...) التي ربما بدأت تُسجَّل أصلاً لكنّها لاتزال محدودة...».

ولن تتم إعادة الحياة لأشجار الكستناء الأميركية في سنوات ولا حتى في العقود المقبلة.

ويشير الباحث إلى أنّ إعادة الحياة لهذه الأشجار «تمثل مهمة ستستغرق أقلّه قرنين»، معرباً عن تفاؤله الكبير في شأن نجاح هذه الجهود.

ويختم «إنّها مسألة وقت فقط».