كانت من دون ترتيب مسبق، ولكن القدر ساقها إليّ وساقني إليها رغماً عن أنفي، إذ لم أتعود عليها من قبل، ولم أكن من عشاقها، وهكذا هو الإنسان عدو ما يجهل، ولكن بعدما مكثت فيها يوماً وليلة أيقنت كم كنت محروماً من لذتها. إنها الصحراء يا سادة.
بدعوة كريمة من الخال وأصحابه، ركبت سيارتي مع رفقتي ويممنا شطر الصمّان، وما أدراك ما الصمّان! إنها صحراء مترامية الأطراف، ليست كصحرائنا حيث الخيمة بجوار الخيمة وكأننا في منطقة سكنية، تجد فيها الفيضة تتلوها الفيضة، وكأنها واحات داخل الصحراء، وقد واصلنا المسير في الطريق البري لمسافة 60 كيلومتراً، حتى وصلنا إلى المخيم، بالاستعانة بالعم جارمن، والذي لولاه بعد توفيق الله - لم تقرأوا هذا المقال.
المهم أنني استمتعت بتواجدي في المخيم لأسباب عدة أهمها أن الإرسال كان مقطوعاً عن تلك المنطقة من العالم، فلا اتصالات ولا مسجات ولا إنترنت ولا هم يحزنون، وعشت ليلة بأكملها من دون إيميلات ولا فيس بوك ولا هم يفرحون.
العيش من دون وسائل الاتصال المختلفة يجعلك تشعر بالراحة لآخر مدى، صدقوني! والتجربة خير برهان، فلا حاجة بعد اليوم إلى القلق المستمر، ولا للتحفز الدائم للأخبار الكثيرة والسريعة والسلبية في كثير من الأحيان.
القنوات الفضائية ونشرات الأخبار، وخدمات المسجات والمنتديات و... أصبحت أكثر من الهم على القلب، ولا يعرف الواحد الصادق منها من الكاذب، وأمسى الواحد منا ينام على تصريحات سيد القلاف وصالح عاشور، ويصحو على ردود الطبطبائي ومحمد هايف عليهما... وهلم جرا.
التكنولوجيا تحولت إلى نقمة بدلاً من أن تكون نعمة، وبدلاً من استثمارها لمصلحة تنمية الإنسان استخدمناها لتدمير الأوطان، وبدلاً من توظيفها لإعمار البلاد أضحينا نوجهها لتدمير البلاد ونشر قيم الفساد.
في الأفقأنت في حاجة إلى العزلة عما حولك كله من مؤثرات وتكنولوجيا... أنت في حاجة أن تنفصل شعورياً عن جميع مصادر التوتر والضغط، فإن لم تستطع فعليك التوجه فوراً ومن دون تردد إلى فيضة أم المصران في قلب الصمان، حيث الراحة والهدوء.
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]< p>