رأي قلمي

لا يلامس الأعماق...!

15 أكتوبر 2022 10:00 م

الإحساس بالرضا والشعور بالسعادة من القضايا المهمة في حياتنا الشخصية، الشعور بالسعادة مطلق وشخصي وضعيف الارتباط بالظروف المادية الخارجية، والشعور باللذة أو النشوة مناقض لشعور السعادة، فهو شعور يأخذ طابع الموقت والعابر، والذي يعقبه في بعض الأحيان شعور بالكآبة، ولا سيما عندما يكون مصدر اللذة محرماً في معتقد من يحسّ بها.

كلنا يبحث عن الرضا والسعادة، قد يرى البعض أن كليهما مرتبط بالآخر، والصحيح أن كليهما يكمل الآخر، والفرق واضح بين الشعور بالرضا والشعور بالسعادة، الرضا لا يلامس الأعماق، كما يلامسها الشعور بالسعادة، لأن الشعور بالرضا يكاد يكون نوعاً من التقدير العقلي للذات، كما أنه عبارة عن ترجمة لشعور الإنسان بالكفاءة الاجتماعية وشعوره بأنه لائق في نظر نفسه وفي نظر الآخرين.

المصدر الأساسي للشعور بالسعادة هو مدى ما يحققه المرء من المطابقة بين معتقداته وسلوكياته، فالانسجام بين المعتقد والقول والسلوك، هو أكبر مصدر لإحساس الإنسان بالسعادة.

قال الله - تعالى - «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً» [النحل: ٩٧]. ذكر بعض المفسرين أن معنى (الحياة الطيبة) هو السعادة.

وتُثبت دراسات كثيرة أن التدين والاستقامة مصدر مهم للطمأنينة والشعور بالهناء. وكان أرسطو يقول: «على المرء أن يكون فاضلاً حتى يكون سعيداً».

من مصادر السعادة أن تتمحور أنشطة الإنسان حول غاية عليا أو هدف تعاوني، والذين يفتقدون ذلك يشعرون بالعبثية والتفاهة.

ضيق الفجوة بين الانجازات والطموحات هو الآخر مصدر للسعادة والانشراح، كما أن العلاقات الأسرية والاجتماعية الجيدة مصدر مهم من مصادر الهناء والأمن، حيث يتلقى المرء ما يحتاجه من الدعم الاجتماعي.

الانسجام الداخلي والخلاص من الصراعات الداخلية يسهم في الإحساس بالسعادة، الاستفاضة في أعمال الخير على الصعيد الشخصي والاجتماعي، بمساعدة الآخرين، والتخفيف من درجة العناء الإنساني للضعفاء مصدراً لا يُستهان به للشعور بالسعادة.

ونختم بالمصدر الأساسي للإحساس بالرضا هو المقارنة؛ مقارنة حالة حاضرة مع حالة سابقة، ومقارنة الإنسان لنفسه بالآخرين في العلم والقوة والشكل والعمل والدخل والكفاءة الاجتماعية... ولذا فإن الشعور بالرضا، يظل دائماً نسبياً، وهو أقرب إلى أن يكون أحد المنتجات الاجتماعية.

حين يقارن الإنسان بمن هو دونه يشعر بالرضا، وحين يقارن نفسه بمن هو فوقه يشعر بنوع من السخط على النفس، لذا ورد في بعض الأحاديث التوجيه بأن ينظر الإنسان في أمور الآخرة (العبادات والفضائل) إلى من هو فوقه حتى يتخذ منه قدوة، أما في أمور الدنيا فينظر إلى من هو دونه، حتى لا يزدري نعم الله - تعالى - عليه.

ما نشاهده اليوم من اندفاع نحو اللهو والسفر والسياحة وارتياد المطاعم، والتمسك بالمظاهر والشكليات على نحو مبالغ فيه، ما هو إلا عبارة عن محاولات للتعويض عن السعادة الحقيقية التي فقدها كثير من الناس نتيجة انخفاض مستوى التزامهم، واتساع الهوّة بين ما يعتقدون وما يفعلون، كل شيء فيهم مشرق ومبتهج سوى القلب الذي تغشاه ظلمة الانحراف وعتمة التقصير.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@