بعد إبلاغها بالتوجه لخفض ميزانياتها المقدّرة عن السنة الحالية وللسنوات الثلاثة المقبلة

جهات حكومية تحضّر للاعتراض مُحاسبياً على تقليص إنفاقها

20 سبتمبر 2022 10:00 م

- تحديد السقوف لا يعني خفض إنفاق جميع الجهات خصوصاً التشغيلية
- المطالبة بإعادة النظر ستشمل عدم الاكتفاء بتثبيت مصروفات السنة الماضية
- غالبية الوزارات والهيئات بدأت تتخلص من «شحومها» منذ انتشار جائحة كورونا
- الرواتب والمصاريف التشغيلية والتوظيف الجديد تحرم بعض الجهات من رفاهية القدرة على الخفض
- «شد الحزام» الإضافي يعرّض البعض لـ «نحافة» مالية تعيقه عن أداء المهام
- رفع سقوف تقليص المصروفات العامة وزيادة الإنتاج ازدواجية يصعب تحقيقها في كل المؤسسات

قالت مصادر مسؤولة لـ «الراي»، إنه هناك جهات وهيئات تدرس الطلب الحكومي، بإعادة النظر محاسبياً في تحديد سقوف مصاريفها للسنوات الثلاثة المقبلة، بعد إبلاغها بضرورة خفض إنفاقها خلال الفترة المستهدفة عن احتياجاتها المالية التقديرية لها.

وتبلغ مصروفات الميزانية التقديرية عن السنة المالية الحالية 21.9 مليار دينار، مقابل إيرادات بـ18.8 مليار، ما يقود لعجز نظري بـ3.1 مليار.

وفي التفاصيل، ذكرت المصادر أنه بعد أن تحرك مجلس الوزراء باتخاذ المناسب في شأن تحديد سقوف الإنفاق العام للسنوات المالية الثلاث المقبلة، بدأ التحرك بالفعل في هذا الاتجاه، بحيث تم إبلاغ جهات حكومية عدة بخفض مصاريفها المستهدفة عن السنة المالية الحالية وعن السنوات الثلاثة المقبلة.

قدرة الخفض

وأفادت المصادر بأن المناقشات الأولية التي فُتحت مع مسؤولي الجهات المخاطبة بالتوجه الحكومي، أكدت بأن هذا الطلب يأتي ضمن التوجيه الحكومي، بوضع مبدأ توجيهي لسقوف إنفاق جهاتها، ما يجعله استحقاقاً واجب التنفيذ، تماشياً مع مستهدفات مجلس الوزراء لحدود الإنفاق العام.

في المقابل، بيّنت المصادر أن جهات حكومية أفادت وزارة المالية مبدئياً بصعوبة خفض مصاريفها عن الإنفاق التقديري لها، وبالنسب التي جرى إبلاغها بها، سواء عن السنة المالية الحالية أو للسنوات الثلاثة المقبلة، لافتة إلى عدم قدرتها على تخفيض نفقاتها، إلا بحدود ضيقة مقارنة مع النسبة المطلوبة، مع تأكيدها بأن الاكتفاء بسقف إنفاق السنة المالية الماضية يشكل صعوبة محاسبية بالنسبة لها، يعيقها عن تنفيذ برامجها وخططها.

وأشارت المصادر إلى أن اعتراضها هنا ليس قائماً على وضع مبدأ توجيهي لسقوف إنفاقها، بل على أساس أنه من الناحية المحاسبية لم يعد لديها إنفاق غير ضروري، وأن جميع مصاريفها التشغيلية تعتبر ضرورية.

سقف المصاريف

ونوهت المصادر إلى أن تقليص الإنفاق يقود إلى تحقق تأثيرات سلبية على الجهات، وتراكم مطالبات مالية ضرورية غير مدفوعة، وهو ما بدأ يظهر منذ فترة لبعض البنود، ومنها ما يتعلق بالحقوق الوظيفية.

وحملت النقاشات المفتوحة في هذا الخصوص مع الجهات الحكومية، إشارات قوية تطالبها بضرورة أن يكون توجيه سقوف ميزانياتها مبنياً على أساس الالتزام بسقف مصاريف السنة المالية الماضية نفسها وعلى أساس الخفض عن المقرر بالفترة المالية الماضية، والمطلوب للسنة المالية الحالية وللسنوات الثلاثة المقبلة.

وأشارت المصادر إلى وجود توافق عام لدى مختلف مسؤولي الجهات الحكومية، على ضرورة تقليص المصروفات العامة، إلا أن ذلك يتعين أن يراعي وجود مصاريف حتمية لا يمكن تخفيضها، معددة التعقيدات المالية التي تواجهها في الآتي:

أولاً: يشكل بند الرواتب من المصاريف المدرجة بالميزانية العامة أكثر من 71 في المئة، ولا يعد سراً أنه لا يمكن المساس بهذه المستحقات، أخذاً بالاعتبار أن قيمها تنمو سنوياً، مدفوعة بتوجه الدولة نحو زيادة توظيف المواطنين لدى الجهات الحكومية، ومن ثم يعد هذا البند متغيراً باتجاه الزيادة السنوية وليس التقليص، ما يحول دون تحقيق أي جهة لوفر متوقع منه.

ثانياً: تبنت جميع الجهات الحكومية في تقدير مصاريفها سياسة «شد الحزام»، وتحديداً منذ بدء أزمة تداعيات جائحة كورونا في 2020، ولجأت منذ وقتها وبتوجيه من مجلس الوزراء إلى ترشيق مصاريفها إلى حدود عكست أن المؤشرات المالية لغالبية الوزارات والهيئات تعكس أنها تخلصت بالفعل من شحوم صرفها السابق.

ولذلك هناك مخاوف مشروعة من أن يقود إقرار مزيد من الترشيق في ميزانيات بعض الجهات إلى نحافتها مالياً، وإلى الحدود التي تؤثر على أدائها، ما يعزّز وجهة نظرها بمراعاة ألا يترك التخفيض أثراً سلبياً على أداء مهامها.

وما يعزّز ذلك أن السياسة المالية الرشيدة لا تقتصر على بلوغ هذا الهدف الحسابي بالخفض، بل تهتم أيضاً وبصورة جدية بتحقيق المستهدف.

ثالثاً: بخلاف كلفة بند الرواتب هناك مصاريف تشغيلية ضرورية تتضمن دورات تدريبية وتوظيفاً جديداً، واستحقاقات وظيفية، وجميعها مستحقة الإنفاق، ولا يمكن تغافلها محاسبياً، للدرجة التي لجأت فيها بعض الجهات إلى تفعيل نظام العُهد في ميزانياتها مجدداً لتغطية هذه المصاريف.

رابعاً: يوجد لدى الكثير من الجهات الحكومية مصروفات تعتبرها حتمية، مثل مصروفات الحماية والأمن، وخدمات النظافة والمراسلين، والتي قد يعرض تقليصها لخلل.

خامساً: ساهم التحسن الحاصل في أسعار النفط منذ بداية العام تقريباً بشكل واضح في تضييق نسبة العجز المرتقبة عن العام الماضي، إلى حدود يتوقع معها معالجة نسبة العجز بالكامل، وربما العودة مجدداً إلى زمن الفوائض.

سادساً: يحق لوزارة المالية رفض ميزانية أي جهة حكومية لا تلتزم بعلاج ملاحظات الإنفاق الزائد في بياناتها المالية، باعتبار أن مؤشرات جدية الأجهزة الحكومية في علاج ذلك هي التي تحكم قرار الموافقة على الميزانيات.

وبالتالي يحتاج نظر «المالية» في  حجم إنفاق كل جهة إلى مراجعة، لتفادي ما يمكن أن يترتب على ازدواجية المطالبة بتقليص المصروفات وزيادة الإنتاج، لا سيما أن الأمر يتعلق بأجل 3 سنوات، يفترض أن ترتفع فيها مؤشرات التنمية الاستثمارية والبشرية، ما يعني الحاجة لكلفة إضافية، وليس إنفاقاً غير ضروري.