قيم ومبادئ

هل مازالت كل الطرق تؤدي إلى روما؟

15 سبتمبر 2022 10:00 م

وظّفت الكنيسة على هذا الزعم أن المكان الذي مات فيه بطرس - وهو روما - لا بد أن يكون مقراً للنفوذ الديني الذي يبسط ذراعيه على الأرض كلها ممثلاً في الكنيسة، وأن ما تقوله وعلى رأسها قداسة البابا واجب السمع والطاعة لأنه من أمر الله!

لقد حاولت الكنيسة أن تعتمد وجودها وقوتها إلى المسيح عيسى بن مريم، إما بتأويل أحاديثه تأويلاً يُناسب أهدافها، وإما بابتداع مزامير لم يقلها وإلصاقها به كما فعلت في إثبات النبوّة والتأليه وإعطاء التاج الملكي شرعية دستورية!

إنّ الكنيسة هي وريثة المسيح الشرعية الوحيدة، ومن ثمّ فإن لها الوضع ذاته والسلطان ذاته الذي كان للمسيح، فهي مقدسة والبابا - الحبر الأعظم - ومَنْ يُعمّده من الكرادلة والأساقفة هم الوسطاء الذين تمر بهم مشاعر المسيحيين وأعمالهم كي تصل إلى الله، مثلما يصل وحي الله من خلالهم إلى الناس!

والكاهن عبارة عن أسرار وغموض وطلاسم وترانيم، يردّدها على أساس أن له صلة خفية بالإله المعبود! لأنه يملك في حس المسيحيين أن يستنزل رضا الرب وغضبه على السواء... ومع الأيام يصبح غضبه كأنما هو غضب الرب، وكذلك رضاه!

فإذا كان هذا حال الكاهن فما بالك رئيس هؤلاء جميعاً الذي يجلس على عرش البابوية هناك في مقر السلطان؟ روما!

والحقيقة التي لابد من ذِكرها هنا لقد كانت قلوب أكثرهم خالية من التقوى وتعاليم السيد المسيح، لقد كانوا عُبّاد مال ونساء وشهوات... لذلك كان الدين بالنسبة إليهم حرفة يحترفونها وسبيلاً يلجأون إليه ليوصلهم إلى المناصب في المجتمع!

لقد مارست الكنيسة على عقول الناس وأرواحهم الوصايا الكبرى حين فرضت عليهم هذه الأسرار، وهذه الصلوات التي يفتتحونها، حيث فرضت عليهم ذلك فرضاً، ومنعتهم من مناقشتها واعتبرت المناقشة فيها أو الشك في أمرها كفراً أكبر وهرطقة تجب فيها اللعنة الأبدية والخروج من رضوان البابوية.

لقد حوّلت الكنيسة دين الله إلى روحانيات صرفة أو شعائر تعبّد، وأبعدوا الجانب الذي يحكم الحياة ويوجه معاملات الناس، وتركوا جانب قيصر يتصرّف فيه بمقتضى القانون الروماني الجاهلي الوثني!

بل حتى في الجانب الروحي مارست الكنيسة طغيانها وتطرفها، فأبت أن تتصل قلوب المؤمنين بربهم مباشرة بلا واسطة.

وأصرّت على أن تكون هي وحدها الواسطة التي تتصل القلوب عن طريقها إلى الله!

ولم يكن للناس - الأوروبيين - تحت هذا التهديد الطاغي إلّا أن يسلموا تسليماً أعمى بأساطير الأولين كالتثليث والعشاء الرباني وأسطورة الأب الذي صُلب ولده فداء لخطيئة آدم!

والسؤال الآن، هل يُمكن لهذا الغلو العقدي أن يستمر إلى الأبد من دون أن تتمرد عليه العقول المكبوتة وتثور لطلب الحرية؟!

كل هذا الخواطر والهواجس تراءت بين ناظري وأنا أشاهد الأمير تشارلز وهو يعتلي منصة الملك، ويعتمر التاج الملكي داخل الكنيسة أمام حشود من الرومان بزيهم التقليدي التراثي والمناداة به كملك لإنكلترا التي لا تغيب عنها الشمس، وكل الطرق كانت تؤدي إلى روما... ولكن هذه القداسة والهُليلة ليست إلّا مخلّفات العصور الوسطى... لا غير!

فلم تعُد الطرق تؤدي إلى روما بل انحرفت جهة الشرق حيث وضعت المستشرقة الألمانية زغريد هونكه كتابها المرسوم بـ «شمس العرب تشرق على الغرب»!