بتاريخ 20 سبتمبر من العام 2020، نُشر في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم)، القانون رقم 16 / 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري، الذي يُعمل به اعتباراً من تاريخ نشره سالف البيان.
وأوجب القانون تشكيل اللجنة الوطنية للحماية من العنف الأسري، وإنشاء مراكز إيواء للضحايا، واستحدث إجراء يسمى «أمر الحماية»، وهو الأمر الصادر من المحكمة المختصة لحماية المعتدى عليه، بناء على طلبه أو طلب من يقوم مقامه قانوناً، طبقاً للأوضاع التي ينص عليها القانون، كما استحدث القانون جرائم معينة جميعها من قبيل الجنح.
جرائم مستحدثة
وإنفاذاً لذلك، أصدر المستشار النائب العام، التعميم رقم 8 / 2020، بتاريخ 4 أكتوبر 2020 في شأن القانون سالف البيان، تضمن التعميم القواعد والإجراءات الواجب العمل بها، ومنها أن القانون استحدث جرائم جميعها من قبيل الجنح.
ودعا التعميم المشار إليه إلى العمل بما استحدثه منها في شأن هذه الجرائم، من دون أن يتضمن ما يلزم أعضاء النيابة العامة في التحقيق والتصرف في الجنح العادية المنصوص عليها في قانون الجزاء، إذا وقعت من وضد أحد أفراد الأسرة بالمعنى المعرف سلفاً، بما يكون معه الأمر متروكاً للقواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وأهمها ما قررته المادة التاسعة منه بقولها «يتولى سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والأمن العام»، فضلاً عما قررته المادة الأولى من القانون رقم 53 /2001 في شأن الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية، بقولها «تتولى الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية، الاختصاصات المقررة لها طبقاً لأحكام المادة التاسعة من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية».
وقد جرى العمل أن تتلقى النيابة العامة تلك البلاغات، عبر مخافر الشرطة، ومن ثم تحال القضية إلى النيابة المختصة للتحقيق والتصرف فيها، سواء بحفظها أو إحالتها إلى المحاكمة الجزائية، ومؤدى ذلك كله أن الإدارة العامة للتحقيقات - ويشاطرها الرأي في ذلك النيابة العامة - ترى أن النيابة العامة هي المختصة، دون غيرها، في التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح المستحدثة المنصوص عليها في القانون سالف البيان، وهي المُختصة أيضاً بذات الاختصاصات للجنح العادية المنصوص عليها في قانون الجزاء، إذا وقعت من وضد أحد أفراد الأسرة، بالمعنى المعرف سلفاً. ونرى أن هذا السلوك الإجرائي قد يكون عُرضة للبطلان، للأسباب الآتي بيانها:
3 أسباب للبطلان
أولاً: إن ما ورد بنص المادة (22) من القانون 16/ 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري، بقولها «تختص النيابة العامة بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون»، ينصرف إلى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أي قانون العنف الأسري حصراً، وهي الجنح المشار إليها سلفاً من دون غيرها، على اعتبار أن العنف الأسري في ذاته لا يعتبر جريمة، إنما هو وصف أسبغه المشرع على جريمة منصوص عليها في القوانين القائمة، كقانون الجزاء وغيره من تشريعات، ودليل ذلك أن النيابة العامة، حينما تحيل متهماً إلى المحاكمة الجزائية، تقتصر الاستناد على المادة 1 من قانون العنف الأسري، بحسب التعريفات الواردة فيها، من دون أن تمتد إلى جرائم الجنح الواردة في قانون العنف الأسري، وتورد الجرائم المنصوص عليها في القوانين الأخرى، وتباشر التحقيق فيها باعتبارها واقعة عُنف أسري، وهي قد تكون جريمة تعد بالضرب على نحو محسوس – وهي جريمة واردة في قانون الجزاء وليست في قانون العنف الأسري - وقعت من أو على أحد أفراد الأسرة على سبيل المثال، وهو الأمر الذي يؤكد أن العنف الأسري في ذاته لا يعتبر جريمة، إلا بالنظر إلى التشريعات الوطنية الأخرى. ويساند ذلك أن المادة 1 من قانون الحماية من العنف الأسري، عندما عرفت العنف الأسري أوردت أنه «كل شكل... متجاوزاً ما له من مسؤولية قانونية، وذلك وفق الأفعال أو الجرائم المنصوص عليها في التشريعات الوطنية كافة» بما مؤداه أنه لا يجوز توسع النيابة العامة بالتحقيق في غير جرائم الجنح الواردة في قانون الحماية من العنف الأسري، بذريعة أن المادة 22 أناطت لها الاختصاص في اجراء التحقيق والتصرف بالجرائم الواردة في القانون حصراً.
لا مرية في أن عبارات المادة 22 من قانون العنف الأسري واضحة الدلالة، لا لبس فيها ولاغموض، ومن ثم تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل، إذ لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص محل التطبيق.
ثانياً: إن المتتبع لإرادة المشرع الكويتي في هذا الشأن، يرى أنه كلما أراد أن يسند الاختصاص في التحقيق والتصرف والادعاء إلى النيابة العامة في الجنح باعتبارها استثناءً من الأصل، فإنه ينص صراحة على ذلك.
وندلل على ذلك بما نصت عليه المادة 23 من القانون 3 / 2006 في شأن المطبوعات والنشر من أنه «تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون»، وأحيل القارئ الكريم إلى المادة 17 من القانون 63 / 2015 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمادة 42 من القانون 75 / 2019 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، يدل على أن المشرع الكويتي كلما أراد أن يسند الاختصاص في التحقيق والتصرف والادعاء إلى النيابة العامة في جرائم الجنح باعتبارها استثناءً من الأصل فإنه ينص صراحة على ذلك، والتساؤل المطروح في هذا الصدد: هل أورد النص صراحة في القانون 16 /2020 في شأن الحماية من العنف الأسري على اختصاص النيابة العامة بالتحقيق والتصرف والادعاء في الجنح العادية المنصوص عليها في قانون الجزاء إذا وقعت من وضد أحد أفراد الأسرة ؟ بالتأكيد لا، وبالتالي فإنه لو أراد المشرع اتساع نطاق اختصاص النيابة العامة في التحقيق لما أعوزه أن ينص صراحة على الاختصاص المُقيّد بجرائم الجنح الواردة في قانون العنف الأسري حصراً، ومن ثم وجب احترام إرادة المشرع وعدم الخروج عنها.
ثالثاً: لا ينال مما تقدم القول، إن المادة 1 /4 من القانون 16 / 2020، قد عرّفت جهة التحقيق المختصة أنها النيابة العامة. فهذا النص في ذاته ليس من شأنه أن يحسر الاختصاص عن الإدارة العامة للتحقيقات في التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح، وفقاً للمادة 9 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، ووفقاً لقانون إنشائها على النحو المتقدم بيانه، ويُضاف إلى ذلك أن هذا التعريف يقتصر على العبارات، حيثما وردت في هذا القانون، بالمعنى المبين قرين كل منها، ما لم يدلّ سياق النص على غير ذلك، وهو ما أكدته المادة 1 من القانون المشار إليه، وكان سياق النص في المادة 22 الذي أناط الاختصاص في التحقيق والتصرف للنيابة العامة يدل على غير ذلك، للأسباب المتقدم بيانها.
إجراءات مُجانبة للصواب
لما كان ذلك، ومن جماع ما تقدم، وإزاء تكرار تلك الإجراءات المجانبة للصواب الإجرائي، يجعلنا في صدد المادة 146 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية. ولما كان هذا الذي شاب إجراءات التحقيق والتصرف متصلاً بالنظام العام، لكونه يتعلق بالتنظيم القضائي وتوزيع الاختصاصات، وبالتالي يتعين على محاكم الجُنح أن تتصدى له من نفسها، وهو الأمر الذي نرى معه، أن القضايا التي تحال من النيابة العامة إلى دوائر الجنح العادية، استناداً إلى قانون العنف الأسري، مآلها الحكم بعدم قبول الدعوى الجزائية، مع إعادة الأوراق إلى النيابة العامة، لاتخاذ شؤونها نحو إحالة الأوراق إلى الإدارة العامة للتحقيقات، بوزارة الداخلية للاختصاص.
وأخيراً ما كان هذا المقال، إلا بعد أن استفحلت هذه المشكلة الإجرائية على النيابة العامة، وكلفت الأخيرة نفسها بُمستحيل، في حين أنها من الأجدر توحيد جهودها بما هو أهم، وأخص بذلك اختصاصها في التحقيق والتصرف والادعاء في جرائم الجنايات والجُنح التي نص المشرع صراحة على اختصاصها فيها، على النحو المتقدم بيانه، لذلك ينبغي إعادة الأمور إلى نصابها القويم حتى يتحقق التوازن الإجرائي، احتراماً لإرادة المشرع.
تعريف العنف الأسري
عرفت المادة 1 /2 من القانون 16 / 2020 العنف الأسري، بأنه «كل شكل من أشكال المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو المالية، سواء أكانت فعلاً أم امتناعاً عن فعل، أم تهديداً بهما يرتكب من أحد أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر منها، متجاوزاً ما له من مسؤولية قانونية، وذلك وفق الأفعال أو الجرائم المنصوص عليها في التشريعات الوطنية كافة».
تحديد مفهوم الأسرة
حصرت المادة 1 /1 من القانون 16 / 2020 الأسرة، لتشمل «الزوج وزوجه بعقد زواج رسمي، وأبناءهما وأحفادهما، وأبناء أحد الزوجين من زواج رسمي، والأب والأم لأي من الزوجين، والإخوة والأخوات لأي من الزوجين، وزوج الأم أو زوجة الأب، والشخص المشمول بحضانة أسرة بديلة، ومن تجمع بينهم رابطة الحضانة أو الوصاية أو الولاية أو كفالة اليتيم أو المصاهرة».
الجنح المستحدثة في تعميم النائب العام
تضمن التعميم أن قانون العنف الأسري استحدث جرائم جميعها من قبيل الجنح، وهي:
- التخلف عن التبليغ عن وقائع العنف الأسري (م 10).
- التقدم ببلاغ كيدي أو كاذب عن حصول حالة عنف أسري (م 12).
- محاولة إكراه المعتدى عليه في جريمة من جرائم العنف الأسري بهدف الرجوع عن شكواه (م 13).
- مخالفة أمر الحماية من الالتزامات لمنع المعتدي من التعرض للمعتدى عليه وسائر أفراد الأسرة (م 20).
- الامتناع عن تنفيذ العقوبات البديلة التي تقضي بها المحكمة للقيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع (م 21).
المادة 146 من قانون
الإجراءات والمحاكمات الجزائية
تنص المادة 146 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، على أنه «إذا تبين للمحكمة، أن إجراءً من إجراءات الدعوى أو التحقيق، به عيب جوهري، فلها أن تأمر ببطلانه وبإعادته، أو أن تقضي بتصحيح العيب الذي لحقه كلما كان ذلك ممكناً، ولا يجوز الحكم ببطلان الإجراء إذا لم يترتب على العيب الذي لحقه أي ضرر بمصلحة العدالة أو الخصوم. للمحكمة أن تصدر حكماً بعدم قبول الدعوى الجزائية التي قدمت إليها قبل إجراء تحقيق فيها أو أثناء التحقيق، إذا وجدت أن بها عيباً شكلياً جوهرياً لا يمكن تصحيحه ولا إعادة الإجراء المعيب».