قيم ومبادئ

ومع الدستور حالتنا حالة!

25 أغسطس 2022 10:00 م

ارتبطت معظم دساتير الدول العربية بظروف الاستعمار الخارجي أو بمرحلة ما بعد الاستقلال سوى بعض التجارب القليلة مثل تونس عام 1861، وتلتها مصر عام 1923 مع بروز دعوات خلطت الحابل بالنابل مثل دعاوى التطور والحرية والديموقراطية، وتالياً خيبة الشعوب أقصد - سيادة الشعوب - بالمفهوم الفوضوي العربي المعهود!

وتنوّعت أساليب كتابة الدساتير، ومنها أسلوب التعاقد وهو اتفاق بين الحاكم والمُحكوم.

وهناك أسلوب آخر، هو أن يصدر الدستور على شكل مِنحة إذ يتنازل الملك بصورة منفردة لإنشاء دستور الدولة، كما حصل في فرنسا عام 1814، وإيطاليا 1848 واليابان 1889، وإلى حدٍ ما روسيا 1906.

أما الأسلوب الثالث فيكون عن طريق جمعية منتخبة أو لجنة يكون مهمتها كتابة مشروع الدستور وأخيراً عن طريق الاستفتاء الشعبي الدستوري لأخذ رأي الشعب! والشعب فيهم الصالح والطالح والعاقل والمعتوه.

كانت هذه المرة الأولى في حياة الأمة الإسلامية التي جعلتها تستورد فيها الثوابت والمبادئ والقيم من خارج الشريعة الإسلامية، كما تستورد في موانئها البضائع المختلفة من جميع أنحاء العالم فأصبحت بلادنا مسرحاً لكل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل والأخلاقية.

نعم، لما توسّعت بلاد الإسلام ورمت بأطرافها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، احتاجت إلى أُطر تنظيمية وقواعد محاسبية لم تكن في رصيدها السابق، وأصبحت الحاجة ملحة إليها خصوصاً أنها واجهت ثقافات مختلفة ولغات وخبرات وتجارب لم يكن للصحابة - رضي الله عنهم- بها سابق معرفة، ولم يجدوا حَرجَاً في أخذ النافع وترك الضار ولكن هذه التجربة قامت على ركيزتين مهمتين:

الأولى، أن هذا الاقتباس كان بحدود ما تمس إليه الحاجة فقط دون توسع.

الثانية، لم تكن الأمة الإسلامية لتشعر بالذلة والصغار وهي تأخذ وتتعلّم من غيرها من غير أنفة ولا استكبار... فالحكمةُ ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحقُّ بها.

وعلى هذا الأساس القويم نقول إنّ أحكام التشريع الإسلامي الثابتة المستقرة لا يجوز أخذها من أي مصدر آخر غير الكتاب والسّنة، وعلى فهم سلف الأمة الصالح - رضي الله عنهم- فالحلال ما أحلّه الله والحرام ما حرّمه، وأصول الإيمان والإسلام والحدود وأحكام المواريث وأحكام النكاح والأسرة والبُيوع والعبادات، كلها لا يجوز أخذها من غير مصدرها المعصوم ولا يجوز عرضها للتصويت، فليس هناك خيرة «وَمَا كان لمُؤمنٍ ولا مُؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسُوله أمراً أن يكونَ لهم الخِيرةُ من أمرِهم».

وأما النظم الإدارية والمحاسبية والمرورية، فالأمرُ فيها واسع بشرط ألا تتعارض مع أصل عام من أصول الشريعة أو تعود عليه بالإضعاف أو البطلان.

والمتأمل للفترة التي كُتبت بها دساتير الدول العربية، حيث كان الجهل والتخلف والخواء الروحي والانحراف العقدي من ناحية، ومن ناحية أخرى بدايات الغزو الفكري لبلادنا في تأسيس الجامعات الأميركية والإنكليزية في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، وإنشاء الصحف الورقية السيارة التي يصدرها غير المسلمين يتحدّثون عن الشأن العام والقضايا الاجتماعية وقضية الأسرة والمرأة والطفل بحيث انهارت الحواجز، ولم يعد المسلمون يفرّقون بين ما ينبغي أخذه من الخارج، وما ينبغي تركه من (البضاعة الحضارية) الموجودة في زبالات أوروبا وأميركيا وروسيا!

لقد كان العربُ في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق واليمن والمغرب العربي متخلّفين في كل شيء ولا أحدَ يجادلُ في ذلك.

ولكن الغرب وهو يلهث وراء مصالحه في تقسيم العالم الإسلامي بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية لم يكن ليستطيع إمداد العرب بكل ما يحتاجون إليه لينهضوا من عثرتهم، وغاية ما قدّمه الغرب للعرب هذه الدساتير التي زادت من عثرتهم وتخلّفهم وهذا ما حدث ويحدث بالفعل!

فانظروا إلى حال لبنان والعراق وبلاد المغرب العربي واليمن وبلاد السودان والصومال وغيرها، كيف وصلت إلى هذه الحال رغم وجود الدساتير والهُليلة حولها (وركام) من الخبراء الدستوريين وفقهاء القانون!

في القرن الثامن عشر كانت أوروبا على أعتاب ثورة صناعية وتفوق مادي وعسكري هائل وتشاركها روسيا والنمسا واستراليا والبرتغال، وتملك عبقرية تنظيمية وروحاً من الجَلد والصبر على العمل والإنتاج على مدار الساعة وطوفاناً علمياً لمواجهة المستجدات سواء من ناحية الدراسة أو التطبيق... وكان كل هذا ما يحتاجه العرب لتخلفهم الشديد في تلك الميادين كلها بعد أن كانوا أصحاب قدم صدق ثابتة وقت أن كانوا على الفطرة سائرين على جادة الإسلام ومادته... وكان عند أوروبا قدر هائل من الفساد الكنسي والأخلاقي لا ينبغي لأي عاقل رشيد أن يأخذه، فضلاً عن أن يأخذه مسلم أتمّ اللهُ عليه نعمته عليه، وأكملَ له دينه، ونيّره بمنهج حياة مستقيم مترفّع عن الشهوات مقدس من الدنس وخالٍ من الفساد!