أطباء نفسيون زاروا «الراي»: هذه الأمراض كغيرها تمر في حالات تعافٍ وانتكاسات

مركز الطب النفسي... «ليس للخطرين فقط»

11 أغسطس 2022 10:00 م

- إبراهيم المزيدي:
- الأمراض النفسية مختلفة وليس كل منها يسبّب درجة الإعاقة نفسها أو الاضطراب
- اضطرابات القلق... الأكثر شيوعاً في المجتمع بنسبة تبلغ 30 في المئة
- إبعاد الوافدين ذوي الملفات النفسية... آراء تعبر عن أصحابها لا المختصين
- المدمنون ومتعاطو المخدرات تزيد لديهم خطورة استخدام العنف بمقدار 15 ضعفاً
- محمد البذالي:
- الرفاه النفسي يُمَكّن الشخص من مواجهة الضغوط والمساهمة في تنمية مجتمعه بطريقة فعّالة
- عزوف المرضى عن اللجوء إلى العلاج بالمركز قد يتسبّب بأضرار صحية لهم
- الاضطرابات الذهنية يندرج تحتها الفصام وثنائي القطب خصوصاً من النوع الأول
- رغم حملات التوعية لم نصل إلى مستوى الوعي الكافي في ما يخص الأمراض النفسية
- سعد الشنفري:
- مشاكل نفسية قد تنجم عن خلل هرمونات أو نقص فيتامينات وعند علاجها يتحسّن المريض
- الرفاهية النفسية ليست دلعاً أو استئناساً أو فرحاً... طوال الوقت
- مرضى ثنائي القطب والانفصام والتوتر والاكتئاب الأكثر مراجعة
- في كندا بين 8 و9 أطباء نفسيين لكل 100 ألف... وفي الكويت طبيبان لكل 100 ألف

حذّر أطباء نفسيون من المفاهيم الخاطئة المقترنة بالأمراض النفسية، ومن استمرار النظر إلى مركز الكويت للصحة النفسية، على أنه يتعامل فقط مع الناس الخطرين، وبالتالي وضعه في خانة تختلف عن المراكز العلاجية الأخرى، ما قد يجعل المرضى يتخوفون بل يعزفون عن العلاج فيه، رغم حاجتهم إليه.

وأكد الأطباء الدكتور إبراهيم المزيدي، الدكتور محمد البذالي، والدكتور سعد الشنفري، خلال استضافتهم في «الراي»، أن الأمراض النفسية لا تختلف عن غيرها، إذ تمر في حالات تعافٍ وانتكاسات، بيد أن أغلبها أمراض مزمنة تحتاج أدوية مستمرة، مشيرين إلى أن الأمراض النفسية تختلف عن بعضها، وليس كل مرض يسبب الدرجة من الاعاقة نفسها أو عدم المسؤولية أو اضطرابات الشخصية.

ورأى الأطباء أن المطالبة بإبعاد الوافدين ممن لديهم ملفات بالطب النفسي، هي آراء تخص أصحابها، ولا تعبر عن آراء المختصين، كما حذّروا من المفاهيم الخاطئة المقترنة بالأمراض النفسية، ومن بينها أن المريض النفسي يشكّل خطورة قطعية على المجتمع، أو أن المريض سيظل يعاني طوال حياته، إذ إن أكثر المرضى يتعافون ويعودون لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، حال المبادرة إلى تلقي العلاج.

وأشاروا إلى أن قائمة الأمراض الأكثر مراجعة إلى مركز الصحة النفسية، تشمل أمراض: ثنائي القطب، الفصام، التوتر، الاكتئاب، فيما أكثر المراجعات في العيادات الخارجية النفسية هي اضطرابات المزاج والقلق والتي تعد الأكثر شيوعاً في المجتمع، بنسبة تبلغ نحو 30 في المئة.

مفهوم الصحة النفسية

قال الدكتور إبراهيم المزيدي إن مفهوم الصحة النفسية، وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، هي الرفاهية النفسية للشخص، بحيث يستطيع القيام بأعماله اليومية والاستمرار فيها والاضطلاع بمسؤولياته بكل أريحية، والمساهمة في بناء مجتمعه وتطوره، ولكنها لا تعني مجرد غياب للمرض النفسي.

ورأى الدكتور محمد البذالي أنها تعبر عن حالة الرفاه النفسي الذي يُمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة والتعامل معها بشكل جيد، والمساهمة في تنمية مجتمعه بطريقة فعّالة.

وأوضح الدكتور سعد الشنفري أن الرفاهية النفسية قد يفهمها البعض على أنها «دلع أو استئناس أو فرح» طوال الوقت، وهذا ليس صحيحاً، لأن الفرح والحزن جزء من حياتنا، بل المقصود هو أن يستطيع الشخص القيام بأعماله ويستمتع ويتميز فيها، ويواجه الضغوط والمشاكل ويضع الحلول المناسبة لها.

الأمراض الأكثر شيوعاً

رأى الدكتور المزيدي أن الأمراض النفسية تختلف اختلافاً كبيراً عن بعضها البعض، وليس كل مرض يسبب الدرجة من الاعاقة نفسها أو عدم المسؤولية، فهناك كثير من الأمور تندرج تحت الأمراض النفسية.

وأوضح أن اضطرابات القلق هي الأكثر شيوعاً بنسبة تبلغ نحو 30 في المئة في المجتمع، لا سيما بعد أزمة «كورونا»، والعلاج يكون عبر الحوار أو عبر التدخلات الدوائية للحالات الأشد خطورة، مع ضرورة الالتزام بالمتابعة لحين التماثل للشفاء.

المرضى الأكثر مراجعة للمركز

أوضح الدكتور الشنفري أن أكثر المرضى مراجعة لمركز الصحة النفسية هم ذوو أمراض: ثنائي القطب، الفصام، التوتر، الاكتئاب، ولكن في العيادات النفسية في المستشفيات، فإن الأمراض الأكثر شيوعاً تشمل مرضى التكيف أو المريض الذي لديه اهتزاز في حالته النفسية.

واتفق مع ذلك الدكتور البذالي لافتاً إلى أن أكثر حالات الدخول إلى المستشفى، الاضطرابات الذهانية، التي يندرج تحتها كثير من الأمراض، مثل: الفصام والاضطراب ثنائي القطب، وخاصة من النوع الأول، فيما أكثر المراجعات في العيادات الخارجية اضطرابات المزاج والقلق.

المرضى الوافدون

حول المطالبات بإبعاد الوافدين، ممن لديهم ملفات بالطب النفسي، اعتبر الدكتور المزيدي أنها آراء تعبر عن وجهة نظر أصحابها، لا المختصين في الطب النفسي، وتوضيحاً أشار إلى ما يلي:

أولاً - نرفض هذا الأمر، لأن معظم الأمراض النفسية قابلة للعلاج، حالها حال الأمراض الأخرى.

ثانياً - هذا الأمر يضر بسمعة مركز الكويت للصحة النفسية والعاملين فيه.

ثالثاً -هناك حالات تحتاج مساعدة طارئة، وحالتها لا تسمح حتى لها بركوب الطائرة.

رابعاً - ليس كل الحالات تستطيع أن تعمل في الكويت، وعليه ينبغي النظر في حالتها بعد تقديم العلاج المناسب لها، وهذا ينطبق على حالات تعاني أمراضاً عضوية.

وحول الموضوع عينه، عبر الدكتور الشنفري عن تأييده لوجهة نظر زميله، مشيراً إلى نقاط من أبرزها، أن أكثر الأمراض شيوعاً بين المقيمين تشمل القلق وعدم التكيف، وعلاجها يحتاج دعماً نفسياً للشخص أو علاجات بسيطة.

بدوره، ساق الدكتور البذالي عدداً من التساؤلات بهذا الشأن من بين أبرزها:

- هل يمكن ترحيل شخص مصاب بمرض القلب أو السكري أو «كوفيد-19»، رغم أنه مُعدٍ؟

- لماذا يتم التمييز بين الأمراض النفسية وغيرها من الأمراض الأخرى؟

- ألا يمكن أن يخلق ذلك وصمة أكبر في المجتمع بين المواطنين والمقيمين، وقد يمنعهم حتى اللجوء إلى العلاج النفسي، حتى لو كانوا بحاجة إليه؟

وحذر من انتشار هذه المفاهيم التي رأى أنها قد تضر بالمركز والمرضى، مضيفاً «نتفهم أن الإبعاد قد يندرج تحت مسمى (يسبب خطورة على المجتمع)، لكن علينا إدراك حقيقة أن الأمراض النفسية تختلف عن بعضها، بيد أن مستوى خطورة بعضها يكون فقط وقت ذروة المرض، ويقل بوتيرة متسارعة، اذا تلقى الشخص العلاج».

«وصمة» المركز

حذّر الدكتور المزيدي من استمرار «وصمة» أن مركز الكويت للصحة النفسية، يتعامل فقط مع الناس الخطرة، ووضعه في خانة تختلف عن المراكز والخدمات العلاجية الاخرى، ما قد يفضي الى بعض المخاطر والتداعيات.

وشدّد المزيدي على أهمية أن يبادر أهل المرضى لعلاج ذويهم إن كانوا يعانون من مشاكل نفسية سواء أمراض ذهانية أو مترتبة على الإدمان وتعاطي المخدرات، لأن العلاج في مرحلة مبكرة أسهل ونتيجته أفضل.

وعلى درجة التحذير نفسها من طبع المركز بـ «الوصمة»، رأى الدكتور البذالي أن ذلك يجعل مرضى يتخوفون بل يعزفون عن اللجوء إلى العلاج في المركز، رغم حاجتهم للعلاج، ما قد يتسبب بأضرار صحية لهم، فرغم وجود «حملات التوعية، لم نصل الى مستوى الوعي الكافي».

ورأى الدكتور الشنفري أن الأمراض النفسية لا تختلف عن غيرها، إذ أغلبها مزمنة تحتاج أدوية مستمرة، وكما غيرها تمر في حالات تعافٍ وانتكاسات، غير ان هناك فهماً خاطئاً بان المريض النفسي خطر، ويجب عزله من المجتمع.

وبيّن أن بعض المشاكل النفسية قد تكون ناتجة بالأصل عن خلل هرمونات، أو نقص فيتامينات، وعند علاج هذه المشاكل تتحسن الحالة النفسية للمريض.

التحديات

عن التحديات التي تواجه أطباء الصحة النفسية، قال الدكتور المزيدي «ليس هناك مجال في الطب لا يواجه تحديات، وندرك ذلك منذ دخول كلية الطب، لكن التحديات في مجالنا هي مستوى الوعي من أهل المريض، لجهة طلب الاستشارة في بداية المرض وليس بعد تدهور الحالة، وتوفير بيئة مناسبة للمريض، بعد الخروج من المركز، ليعيش حياة طبيعية، وليس الضغط عليه وعدم تقبل وضعه وطبيعة حالته».

وأكد الدكتور الشنفري الحاجة لمزيد من الاستشاريين والمختصين النفسيين. ففي كندا بين 8 - 9 أطباء لكل 100 ألف نسمة، وفي المقابل طبيبان نفسيان لكل 100 ألف نسمة في الكويت، مضيفا بان هناك «تحسناً في مستوى خدمات الطب النفسي لدينا، مع زيادة مستوى وعي لكن نطمح دوماً إلى الأفضل».

مفاهيم خاطئة

أوضح الدكتور المزيدي أن بين المفاهيم الخاطئة ان المريض النفسي يشكّل خطورة قطعية على المجتمع، أو أن المريض سيظل يعاني من المرض النفسي طوال عمره، مؤكدا أن أكثر المرضى يتعافون ويعودون لممارسة حياتهم بشكل طبيعي حال المبادرة لتلقي العلاج.

أمراض تستوجب الحيطة

في شأن الأمراض النفسية التي يتوجب التعامل معها، وفق أقصى درجات الحيطة والحذر، أوضح الدكتور البذالي أن الوصول الى مرحلة الخطورة، بصفة عامة، يحتاج وقتاً خاصة مع وجود إهمال.

فاضطرابات الانتكاسات الذهانية تبدأ تدريجياً والخطورة تكون في ذروتها، وعلى الشخص أو من حوله، أخذ الحيطة بأعراض الانتكاسة في بدايتها قبل تطور الأمر.

وفيما أشار الدكتور الشنفري إلى بعض العلامات التي قد تبدو على الشخص، ينتج عنها بعض أنواع العنف، ومنها أن يكون الشخص بحال غير طبيعية أو لديه نرفزة غير معتادة، اعتبر الدكتور المزيدي ان حالات العنف هي الأكثر بين مدمني المخدرات، لاسيما فئة الشباب الذكور، وعند حالات الامراض الذهانية في حالة الذروة.

ورأى المزيدي ان هناك نسبة من الناس تزيد لديهم خطورة استخدام العنف، وأبرزهم المدمنون ومتعاطو المخدرات، حيث تزيد لديهم 15 ضعفاً ومعظم حالات العنف، التي نواجهها في المستشفى تكون من هذه الشريحة. كما ان هناك حالات أخرى تحمل نسبة خطورة، مثل مرضى الأمراض الذهانية لكن ليس بدرجة متعاطي المخدرات نفسها.

الانتحار والجريمة

عن حالات الانتحار وعلاقتها بالأمراض النفسية، أوضح الدكتور المزيدي، أن معظم من يقبلون على الانتحار، بنسبة تفوق 90 في المئة، لديهم تشخيص معاناة من أمراض نفسية حادة، لم تتم معالجتها، سواء كان اكتئاباً أو أمراضاً ذهانية أو الفصام أو مرضاً ثنائي القطب.

وعليه ان كانت هناك مبادرة لتلقي العلاج النفسي من البداية، فسيتم الحد من هذا الأمر.

من جهته، قال الدكتور الشنفري إن هناك أسباباً أخرى قد تلعب دوراً في إقبال الشخص على الانتحار، أبرزها من الناحية الاجتماعية والدينية.

وعن مدى اقتران زيادة الجريمة بالأمراض النفسية، قال الدكتور البذالي: ليس هناك إحصائية تتضمن مسببات الجرائم ومدى علاقتها بالأمراض النفسية، ولكن بشكل عام فإن ادمان وتعاطي المخدرات، يزيدان من احتمال وقوع الجرائم وحالات العنف.

الاضطراب ثنائي القطب

عن الاضطراب ثنائي القطب، بيّن الدكتور سعد الشنفري أنه عبارة عن حالة من تقلبات مزاجية مفرطة أو امتلاء بالطاقة أو سرعة الغضب على نحو غير معتاد أو نوبة غير طبيعية من الابتهاج أو ما يسمى بـ«جنون العظمة»، وقد تؤدي لقيام الشخص بأعمال طائشة وغير مسؤولة، وهذه الحالة قد تستمر يوماً إلى يومين، لكن ان زادت عن هذه المدة، فقد تشكّل خطورة على الشخص أو محيطه.

الأمراض النفسية والمراحل العمرية

عن مدى اقتران الأمراض النفسية بمرحلة عمرية معينة، أوضح الدكتور المزيدي، أن ذلك يعتمد على نوع المرض إذ ليس كل الأمراض في عمر محدد، لكن بشكل عام الطفولة تلعب دوراً كبيراً في صحة الإنسان النفسية، حيث حالات العنف أو الاساءة أو الفقر أو عدم الحصول على تحصيل علمي كاف، أو دعم عاطفي كامل، قد يؤدي لتعرض الشخص لحالة نفسية في المستقبل.

من جهته، أشار الدكتور الشنفري إلى أن من بين الأمور التي تؤثر على الحالة النفسية، الطلاق بما يؤدي إليه من عدم استقرار حياة الشخص.