رؤية ورأي

انتخب النائب وليس المستشار

20 يوليو 2022 10:00 م

تعاني ممارستنا الديموقراطية من مكامن خلل وعطل متعدّدة ومتنوّعة قديمة وموروثة، شوّهت وزيّفت اختيارات ومخرجات الشعب، وحجّمت وحرّفت دور النوّاب والسلطة التشريعية.

بعض هذه المكامن يتم كشفها وتداولها في الخطابات والمشاريع الإصلاحية، وبعضها مغيّبة منسيّة سهواً وعمداً عن جل التحرّكات الإصلاحية ومساعي مكافحة الفساد.

من بين المظاهر الخفيّة للفساد والعبث في ممارستنا الديموقراطية، الفوضى الإشاعة السائدة في مؤشّراتنا لقياس أداء النوّاب وفي معاييرنا للمفاضلة بين المرشحين الجدد لانتخابات مجلس الأمّة.

فضلاً عن الخلط المجحف والجائر بين مؤشرات التقييم الخاصة بالمرشحين النوّاب السابقين وبين تلك الخاصة بغيرهم من المرشحين، كما هو الحال لدى الناخب الذي مازال يعتد ويكتفي بتعهد المرشّح بتبنّي قضاياه المحورية، وإن كان هذا المرشّح نائباً سابقاً تبنّى القضايا ذاتها على مدى فصول تشريعية متعدّدة من دون نتائج ملموسة على أرض الواقع، وحتى من دون تشريعات معالجة نسبياً لتلك القضايا.

البيانات الإحصائية البرلمانية قيّمة وذات أهميّة في كشف تقاعس النوّاب، ولكنها ليست كافية لإثبات جدارتهم، لأنهم احترفوا التلاعب فيها. وسأكتفي بعرض التضليل الحاصل عبر الأسئلة البرلمانية والاقتراحات بقوانين.

من حيث المبدأ، يفترض أن عدد الأسئلة المقدّمة من قبل النائب أحد المؤشرات الرئيسة لقياس نشاطه، ولكن هذا المؤشّر فقد جزءاً من مصداقيته بسبب التدليس الذي مارسه الكثير من النوّاب في هذا المؤشر، من خلال تقديم سيل من الأسئلة غير الجادّة، التي لا يتابعونها ولا يبنون على الردود التي تصل في شأنها من قبل الجهات الحكومية.

وأيضاً، لأن مجاميع من النوّاب لجأوا إلى تقديم أسئلة انتهازيّة غايتها ابتزاز وزير أو رئيسه، أو غرضها سلب نصيب من أرباح شركات تنفيذ مشاريع حكومية ضخمة.

دستورياً، الأسئلة البرلمانية أداة أساسية للتشريع والرقابة. فمن جانب التشريع، يتوقّع توظيفها في تشخيص وتحديد العيوب والثغرات التشريعية لترميمها وسدّها.

ومن جانب الرقابة، يفترض استخدامها في كشف مواقع الفساد لمكافحتها والقضاء عليها ومعاقبة المشاركين فيها ومحاسبة المسؤولين عنها.

ولكن هذه الأداة خُدشت صلاحيتها ونُخرت صلادتها بتضخّم عدد الأسئلة البرلمانية المقدّمة. وتكفيني الإشارة إلى أن عدد الأسئلة البرلمانية التي قدّمت خلال مجلس الأمة الأول - الذي أكمل أربع سنوات - لم يتجاوز الـ 400، في حين المجلس الحالي - الذي يعاني من التأخير وبطء العمل في معظم لجانه - وصل عدد الأسئلة المقدّمة خلال أول سنتين من عمره إلى 5157 سؤالاً!

وبالنسبة للاقتراحات بقوانين التي يقدّمها النوّاب منفردين أو مجتمعين - خمسة أو أقل - فغالباً يتم تداولها والتعاطي معها بشكل خاطئ وخطير، يَستر أو يُجمّل تقصيرهم.

فمن جانب، نسبة كبيرة من الاقتراحات بقوانين التي تم تقديمها إلى أمانة المجلس إما مكرّرة وإما معدّلة جزئياً من اقتراحات بقوانين قدّمت في فصول تشريعية سابقة، وإما أنها أعدّت من قبل غير النوّاب الذين تقدّموا بها، وإما أنها أعدت من قبل بعضهم ثم أضيفت أسماء نوّاب آخرين مؤيدين لمنحها «صفة الاستعجال».

من جانب آخر، الكثير من الاقتراحات بقوانين قدّمت بنية الإهمال أو التفاوض. لذلك في المجلس الحالي - على سبيل المثال - الذي واجه صعوبات في عقد الجلسات وفي تنظيم الجلسات التي عقدت، نجد أن رصيد بعض النوّاب قارب المئة اقتراح بقانون، في حين عدد القوانين التي أقرّت بالمجلس وتم نشرها في الجريدة الرسمية ثمانية فقط، إلى جانب 37 قانوناً خاصاً بربط ميزانيات الجهات التي يراقبها المجلس.

لذلك، عند تقييم النوّاب الحاليين والسابقين، تذكّر أن الدور التشريعي المفصلي للنائب هو التواصل والتنسيق مع الأطراف المعنيّة المؤثرة من داخل وخارج المجلس لما ينتهي بإقرار القوانين.

وأما إعداد الأسئلة البرلمانية والاقتراحات بقوانين وما في حكمهما، فهي أدوار ثانوية وبإمكان المستشارين وآخرين التكفّل بها... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com