قيم ومبادئ

المعارضة اليوم رقمية؟

30 يونيو 2022 10:00 م

إن لإخلاص المتكلّم تأثيراً كبيراً في قوة حجته ونفوذ كلامه إلى قلوب الجماهير وإفهامهم... وأما المستهزئ والشاتم فيعلّم الناس جميعاً أنه غير مُخلص في ما يقول، فعبثاً يحاول أن يحمل الناس العقلاء على رأيه أو يقنعهم بصدقه، وإن كان أصدق الصادقين «ولو كنت فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك».

فإذاً لماذا كل هذا السب والشتم والاتهام بين الكتل السياسية على الرغم من زعمها «صفاً واحداً لغاية أسمى»...

لا يلجأ إلى السب والشتم إلّا العاجز أو الجاهل أو المقلّد، والجهل يجعله يتكلّم في وادٍ والطرف الآخر يتحدّث في وادٍ آخر تماماً... كما أنك غالباً تجده يترك موضوع المناظرة إلى الحديث عن شؤون الطرف الآخر وأطواره الخاصة كأنه يبحث في علم النفس الفسيولوجي، وهذا دليل آخر على عجزه عن مقارعة الحجة بالحجة لأنه لو عرف إلى مُناظِره سبيلاً غير هذا السبيل لسلكه وكفى نفسه مؤونة ازدراء الناس إياه وحماها من الدخول في مأزق هو فيه من الخاسرين محقاً كان أم مبطلاً.

على هذا الأساس سالف الذكر دستورياً لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون الغرض من الاستجوابات - وما أكثرها - شيئاً غير خدمة الحقيقة وتأييدها وصولاً إلى الصالح العام.

وأعتقد جازماً، لو سلك السياسيون والمعارضة هذا المسلك في مجالسهم ودعواتهم للاجتماع لتوحيد الصفوف لاتفقوا في مسائل كثيرة هم لا يزالون مختلفين فيها.

وما اختلفوا فيها اليوم إلّا لأنهم في ما بينهم يختلفون... يسمع أحدهم الكلمة أو التصريح من صاحبه ويعتقد أنها كلمة حق لا ريب فيها ولكنه يبغضه فيبغض الحق من أجله فينهض للرد عليه بحجج واهية وأساليب ضعيفة وكلام مرسل وإن كان هو قوياً في ذاته، لأن النائب لا يقوى إلّا إذا استمد الصدق والإخلاص واستقر في قلبه فإذا عيَّ بالحجج والبراهين لجأ إلى المراوغة والمهاترة والصراخ مخافة على مكانته بين الجماهير.

ولهذا تجد كثرة التصاريح، والتجريح كل طرف للطرف الآخر، وترديد عبارات أنك رجل فاسد جاهل، ما لك رأي أو أنك مضطرب الرأي والمواقف تبعاً لأسيادك؟

والدليل أنك تقول اليوم غير ما قلت بالأمس... ولا أعتقد أنني أتوهم إذا قلت إن كثيراً من المتابعين للحوار السياسي والمناظرات بين طرفين - وهم أصحاب العقول - يقولون في قرارة أنفسهم، رويداً لا تخلط في كلامك ولا تراوغ في مناظرتك ولا شأن لك بعلم صاحبك أو جهله، فإنه يقول شيئاً فإن كان صحيحاً فسلم به أو باطلاً فبيّن لنا أوجه بطلانه...

فربما كان بالأمس على رأي تبين له خطؤه اليوم والمرء يخطئ مرة ويصيب...

وهذه المعارضة بكل شرائحها، سواء كان نائباً سابقاً أو نواب المهجر أو نواب المنصة أو معارضة شبابية (حراك) جديدة بنظرة سريعة للمشاريع التي تبنوها بحماس وقوة فترة ما نجدها اليوم تتهاوى وتذهب ادراج الرياح... فمنذ ثورات الربيع والارتباط بالخارج وساحة الإرادة ثم المشروع الوطني والعفو ثم الملفات التشريعية لمعالجة الوضع ثم الدعوة إلى الحوار واستبعاد أطراف وتهميش آخرين إلى الخلاف الشديد بين رموز المعارضة...

كل ذلك تمخّض عن الهجوم اللاذع على الحكومة بعد العودة من تركيا مع التعنت باستخدام الأدوات الدستورية مروراً بالتفنن بالخطابة وأساليب استمالة الجماهير... فكل هذا الزخم وهذا الزبد المتعالي ذهب مع هبوب أدنى رياح التحالفات السرية ولم تصمد أمامها وذهب معها شعار «صفاً واحداً لغاية أسمى».

الخلاصة

عوداً على بدء، لا يمكن اجتماع المعارضة بأي شكل من الأشكال حتى يتم الجواب عن سؤال: مَن نحن وماذا نريد؟ وكيف السبيل؟ وما أسهل الإجابة وما أصعب التطبيق.

فالتحول الرقمي دليل الرقي!