من الخميس إلى الخميس

اللي مالوش خير في «حاتم» مالوش خير في «مصر»

22 يونيو 2022 10:00 م

عنوان المقال، جملة ساخرة ذات أبعادٍ في فيلم عربي يحمل عنوان «هي فوضى»... ويدور حول شخصية شرطي فاسد نجح في استرضاء رؤسائه، والتحكُّم في أهالي منطقته بمن فيهم بعض المُنتخَبين، ومن خلال هذه الشخصية تتجّلى للمُشاهدِ صور عدة للفساد التي تتلحّفُ جميعها بحُب الوطن.

هذه الجملة تعكسُ مِقدارَ الخلطِ والربطِ بين مصالح الوطن والفساد، فالفاسدون عادة يلجأون لهذا الربط لتبرير أفعالهم الشنيعة بضمير مرتاح.

التبرير هو إحدى حيل الدفاع النفسي، والتي يلجأ لها الإنسان عندما يتعامل مع الصراع لإخفاء الدوافع الحقيقية لأفكاره أو أفعاله أو مشاعره، ولن يجد أولئك المُبرِرون أفضل من الوطن ليربطوا فسادَهُم بمصالحه.

ومِنْ أسوأ صور تبرير الفساد التي ذكرها التاريخ، كانت في عام 1400 قبل الميلاد، فقد جاء الناس في حشود ومن جميع أنحاء اليونان للحصول على إجابات لأسئلتهم حول الفساد الذي استشرى في أثينا، وتوسّع إلى كل زاوية في البلاد، فقامت عائلة «الكمونيون» الغنية بإعادة بناء معبد أبولو ببذخ بعد أن دمره الزلزال.

في المقابل، أقنع الكهنة، الدولة القومية أسبرطة بمساعدة أسرة «الكمونيون» على قهر وحكم أثينا، بل وتبرير فسادهم على أنه في مصلحة الوطن، وأنَّ «اللي مالوش خير في الكمونيون مالوش خير في أثينا»... وقد عبّر الفيلسوف أرسطو آنذاك، عن احتجاجه على بلوغ الرشوة هذا المستوى من التغلغل في المجتمع تحت شعار حب الوطن.

أما في عصرنا الحالي، فقد بلغ الفساد المُبَرّر مستويات قياسية؛ ورغم أن من الصعب تقدير حجم ومدى الفساد على مستوى العالم لأن هذه الأنشطة تتم سراً، إلا أن البنك الدولي يُقدّر الرشوة الدولية، (وهي الرشاوى التي يقوم بها الكبار تحت شعار مصلحة الوطن)، بـ 1.5 تريليون دولار سنوياً، أو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي أكثر بعشر مرات من إجمالي أموال المساعدات العالمية.

إذاً، لا تستغرب حجم تلك القوى التي تُدافع عن الفساد؛ وتتلوّن بعشرات الألوان في حب الوطن والبحث عن مصالحه، فالغنيمة ضخمة وتجتذب النفوس؛ وحتى بعض المصلحين يقعون فريسة هذا الإغراء الكبير، ويخرجون من دائرة الإصلاح إلى هاوية خداع النفس لا سيما إذا نجح الفساد في تبرير أفعاله وتجميلها وربطها بمصلحة البلد والخوف عليه وجعل «الذي مالوش خير فيهم مالوش خير في الوطن»، أياً كان هذا الوطن.