500 فلس وفراً لكل ألف قياساً بأرخص سعر لشركات الصرافة و«الحسّابة بتحسب»

بعد غياب لنحو 6 سنوات... السوق السوداء للجنيه تعود مجدّداً إلى الكويت

19 يونيو 2022 10:00 م

- من الكويت يستطيع التاجر إخراج وإدخال الأموال إلى مصر مبادلة
- انتعاش طلب الدولار عالمياً يقفز بنشاط تجار العملة بأكثر من دولة
- فارق السعر يختلف من عميل لآخر ويحدده وزن العميل
- 60 في المئة حصة الاقتصاد التحتي قبل تعويم الجنيه
- تجار عملة صغار يتقدمون على الأرض ورؤوس مخفية تتحكم بالمشهد
- نمو السوق السوداء ليس عضوياً بل قائم على شبكة أسواق خارجية
- تحويلات المصريين العاملين بالخارج أهم مغذيات نوافذ تجارة العملة
- التاجر يعوّض خسارة أسعاره التنافسية بمضاعفة ربحه من البلدان الشغوفة بالدولار

يبدو أن السوق السوداء أو ما يعرف بالاقتصاد التحتي للجنيه المصري عاد مجدّداً إلى الكويت، حيث لوحظ في الفترة الأخيرة تنامي نشاط التحويلات المنفذة إلى مصر من قبل تجار أفراد، إلى حدود بدأت معها شركات الصرافة التي تقدم عادة أرخص الأسعار تفقد جزءاً من حصتها السوقية.

وفي التفاصيل، كشفت مصادر ذات صلة، أنه وفي ظل زيادة الطلب على العملة الصعبة في مصر، فتح تجار عملة سوقاً سوداء جديدة بدأت نشأتها تحديداً عقب خفض مصر قيمة عملتها بنحو 14 في المئة مارس الماضي، مشيرة إلى أن الفجوة بين سعر السوق السوداء وشركات الصرافة تتراوح بين 200 إلى 300 فلس لكل ألف جنيه، وأكثر من ذلك قياساً بأسعار شركات الصرافة الكبرى.

نشاط مضاربي

وقد يحقق العميل وفراً إضافياً عن هذا المعدل يصل لنصف دينار تقريباً إذا جرى تصنيفه على أنه من أصحاب الوزن الثقيل في التحويلات، إذ يمتلك التاجر مرونة تفاوضية مع العميل تحددها قيمة المبلغ، وبعد الرجوع إلى التاجر الأب.

وذكرت المصادر أنه منذ قرر البنك المركزي المصري في نوفمبر 2016 تحرير سعر صرف الجنيه، ضمن ما يعرف بسياسة التعويم المدار، تحولت تعاملات المصريين في الكويت إلى السوق الرسمي باعتبار أنها باتت متساوية أو قريبة بل وأفضل في بعض الحالات من أسعار المضاربين، ولكن يبدو أن شيئاً ما تغير في الفترة الماضية لصالح عودة تجار السوق السوداء، وأن هذا التغير آخذ في التوسع.

مخازن البنوك

وما يزيد خطورة عودة هذه السوق على الاقتصاد المصري، ما تشير إليه التقديرات غير الرسمية بأن السوق السوداء للعملة قبل التعويم كانت تسيطر على ما يقارب 60 في المئة من إجمالي التعاملات بالدولار، ما تسبب في خسائر كبيرة للبنوك التي ابتعد عنها المتعاملون في ظل أسعار صرف كبيرة في السوق السوداء مقارنة بالأسعار التي تطرحها المصارف.

ورغم كل الجهود الرقابية التي تُبذل سواء في الكويت أو مصر لكبح تحويلات السوق السوداء وإعادة توجيهها صوب مخازن البنوك، إلا أن وجود هوامش مغرية لأسعار التحويلات يزيد رقعة هذه السوق، التي تحقق مكاسب إضافية لتجارها من زيادة حيازتهم من الدولار، الذي يشهد في أكثر من دولة حول العالم طلباً مرتفعاً منذ فترة.

حرق الأسعار

ولعل السؤال الذي يحيّر البعض، كيف يعوّض تاجر العملة حرقه لأسعار تحويلات الجنيه، بتقديم أسعار تنافسية تتخطى حتى شركات الصرافة المشهورة بأسعارها الأقل في الكويت؟

في الحقيقة، هناك أكثر من سبب يغذي السوق السوداء، وعودتها تدريجياً بقوة، فهذه النتيجة ليست مرتبطة باعتبار واحد، بل بأكثر من سبب يمكن تلخيصها في الآتي:

1 - منذ خفض قيمة الجنيه في مارس الماضي بنحو 14 في المئة تسود حالة من الحذر في سوق صرف العملة المصرية، خصوصاً مع خطط مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي لرفع الفائدة هذه السنة 3 مرات إضافية، وبمعدلات مستهدفة قد تتجاوز 3 في المئة بنهاية العام، حيث أزكت هذه الخطط التكهنات بإمكانية تعرض العملة المصرية لمزيد من الضغط في قيمتها بخفضها مجدداً.

2 - يقود رفع الفائدة الأميركية لهجرة عكسية للمستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة إلى أميركا، طمعاً بمعدلات الفائدة الجديدة ومستقبل الدولار الصاعد على جميع العملات، ما يزيد من فجوة الطلب والمعروض منه.

ومع تحقق الضغط على الجنيه تنتعش السوق السوداء في الدول الخارجية، وفي مقدمتها دول الخليج وبينها الكويت التي تشهد وفراً في احتياطي الدولار واستقراراً في المعروض.

3 - توافر البنوك كميات الدولار إلى الأعمال لاستيراد السلع الأساسية (القمح، والذرة، والدقيق)، والطاقة، والأدوية، ولعملائها المميزين عموماً، أما بقية الطلبات غير المرتبطة بالاستيراد خصوصاً الكبيرة منها فقد يصعب على أصحابها تحصيلها بسرعة، ما يدفعهم للبحث عن نوافذ أخرى خارج النظام المصرفي، وهنا تتعزز أهمية دور تاجر العملة أكثر.

4 - بخلاف اعتقاد البعض بأن السوق السوداء تنمو عضوياً، يتمدد هذا الاقتصاد عبر شبكة أسواق، وتجار رئيسيين، وآخرين بالقطعة، مثل المخدرات بالضبط، حيث يتقدم على الأرض التجار الصغار، ويختفي عن المشهد الرؤوس التي تتحكم بالشبكة.

ومن خلال الكويت على سبيل المثال يستطيع تاجر العملة تنفيذ مبادلات بين عملاء يرغبون بخروج أموالهم من مصر إلى أي دولة، وآخرون يرغبون في تحويل أموالهم إليها.

فهذه الحركة متفرعة بين جميع الدول التي لديها تحويلات عاملين مصريين، أو مستثمرين أجانب يعملون في مصر، وكلما زادت ضغوط العميل في تحويل أمواله من السوق المتواجد فيه استطاع التاجر أن يعوّض فارق السعر الذي يدفعه للعميل المستقر، ويحقق ربحاً مضاعفاً لصالحه، ولصالح التاجر الأب، من بلدان أخرى وتحديداً التي يشهد عملاؤها ضغوطاً في التمويل أو طلباً متنامياً على الدولار.

5 - تعد تحويلات المصريين العاملين في الخارج أهم مغذيات نوافذ تجار العملة لتنشيط إدارة عملياتهم، وقد نمت هذه التحويلات في مارس الماضي 12.8 في المئة إلى 3.3 مليار دولار، وارتفعت خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2021/ 2022 بنحو 1.1 في المئة إلى 23.6 مليار دولار.

ومع ثقل هذه القيمة يستطيع تجار العملة صقل تجارتهم في السوق السوداء، ويتمثل الحل الوحيد لمكافحتهم مصرياً، في ضمان استقرار الدولار محلياً وتوافره بكميات تغطي جميع الاحتياجات، وهو ما يحتاج إلى عودة تدفقات الدولار التقليدية سواء من السياحة أو قناة السويس إلى النمو مجدّداً.