قيم ومبادئ

دواوين الإثنين أصبحت تاريخاً

16 يونيو 2022 10:00 م

الدواوين في الكويت مرّت بأطوار عديدة لكل مرحلة منها ما يميزها، حيث كانت محلاً يقصده الفقراء ليجدوا فيها شيئاً يأكلون وكي يلتقوا بعلية القوم، فإذا كان لهم فيها حاجة قضوها لهم، كما أنها ملتقى لكبار السن وذوي الهيئات للتداول بالشأن العام حتى شؤون الحكم، وكان يجتمع أفراد أسرة الحكم مع الوجهاء من أهل الكويت لتبادل الآراء ثم يكون الاختيار لأسرة الحكم مثلما حصل بعد حرب الجهراء 1921، ووفاة الشيخ سالم الصباح، حيث اجتمع الملأ في ديوان البدر مع تجديد البيعة والعهد لآل الصباح الكرام، كما برز دور الشيخ صالح الملا صاحب ديوان الملا الذي عمل سكرتيراً في الحكومة سنة 1906، في عهد الشيخ مبارك الكبير وشكّل حلقة وصل بين أسرة الحكم والشعب.

كما برز دور ديوان خلف النقيب، وديوان أسرة آل خالد الكرام، حيث برزت بدايات عصر التنوير والانفتاح على العالم، كما برز دور غيرها من الدواوين التي ما زالت قائمة وشاهدة على هذه الحقبة من التاريخ فهي تقع على البحر مباشرة ومفتوحة لاستقبال الرواد ما يؤكد عمق العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وبعد الغزو العراقي الظالم للكويت ورجوع القيادة السياسية تم اختيار ديوان أسرة آل الشايع الكرام لنزول الشيخ الأمير سعد العبدالله، رحمه الله، ليدير شؤون البلاد من هذا الديوان العامر.

بعد هذه الإطلالة السريعة لتاريخ الدواوين بالكويت وبعد جائحة كورونا وتداعياتها تعيش الدواوين في الكويت مرحلة خريف العمر رغم رونقها، ولا أمل لعودتها لسابق عهدها من حيث القوة والتأثير، وذلك لجفاف الروافد وانسداد القنوات التي كانت تغذيها ولعلي أشير سريعاً لأهمها:

أولاً: رحيل معظم الرعيل الأول ممن تلقى التربية والتعليم وأصول التدين من ثقافة المجتمع الكويتي الأصيلة، والتي تبلورت بصورة نهج قائم على التعاون والتلاقي لتداول الأمور المتعلقة بالشأن العام بعيداً عن أجواء الاحتقان والتأزيم.

ثانيا، عدم وجود جيل ثانٍ مؤهل قادر على إدارة شؤون الدواوين كما كانت تدار في سابق عهدها، مع وجود المشاغل والالتزامات في هذه الحياة العصرية المعقدة، ما يصعب معه التواجد بصورة يومية في الديوان، اللهمّ إلا في المناسبات العامة فقط.

ثالثاً، ارتبط مفهوم دواوين الاثنين خصوصاً في الجانب السياسي والمعارضة الشعبية بفترة قلاقل لا يتمنى أحد العودة إليها مجدداً على اثر تعطيل المجلس وبغض النظر عن المُصيب والمخطئ حيث كانت الأخطاء متبادلة بين المعارضة والحكومة.

واستمر الأخذ والجذب منذ 1989 إلى 15 يناير 1990، حيث رفضت الحكومة أسلوب التصعيد في مقابل مطالب المعارضة بعودة الحياة النيابية والعمل بالدستور.

وبدأت سلسلة الدواوين وتكتل النواب ومجموعة الـ 45 بدعوة لاجتماع في أول لقاء في 4 ديسمبر 1989 في ديوان جاسم القطامي بالشامية انتهاء بالاجتماع بديوان الفروانية عباس حبيب مناور في 22 يناير 1990 الذي ارتبط بمظاهر عسكرية مثل تطويق رجال الأمن المنطقة... وبدأ الشيخ سعد العبدالله، سلسلة حوارات واجتماعات مع رؤساء تحرير الصحف الذي اتضح معه بما لا يدع مجالاً للشك أن دواوين الاثنين بدأت تأخذ منحى تصعيدياً والبعض يهدف إلى غايات تتجاوز في حقيقتها موضوع الحياة النيابية وتعرّض البلاد للخطر... ثم جاء المجلس الوطني حيث حدّد الأمير أعضاء المجلس بـ 75، تعيّن الحكومة 25 منهم وينتخب الشعب 50 منهم بالاقتراع المباشر... وجاء على اثر ذلك بيان النواب لمقاطعة الانتخابات... ثم جاءت عريضة عبدالعزيز الصقر في استنكار المجلس الوطني، واعتبره متناقضاً لما تم الاتفاق عليه في سلسلة الحوارات... ومع انطلاق حملة الانتخابات للمجلس الوطني وسط تحركات من مجموعة الـ45 وتكتل نواب المقاطعة للانتخابات بدأت في تلك الفترة سلسلة اعتقالات، حيث اعتقل أحمد باقر، وأحمد الخطيب وأحمد النفيسي وعبدالله النيباري إلى الحادثة المشهورة للدكتور عبدالله النفيسي، وحديثه في ديوان جاسم القطامي ومقاطعته بالحديث ليفاجأ بدخول عسكري ليقوم باعتقاله... ثم أرسل الإخوان المسلمون برقية إلى الأمير مطالبين فيها تمديد فترة المجلس الوطني والعودة بعدها إلى مجلس الأمة وهي موقعة بأسماء رموز وطنية معروفة... والذي أريد أن انتهي إليه من هذا الاستعراض السريع أن الذي يقرأ في البيانات والوثائق المتبادلة بين الحكومة والأعضاء يجد أن الحكومة كانت في وادٍ والأعضاء في وادٍ آخر، في الوقت الذي تشير بيانات الحكومة آنذاك أن العالم يشهد تغيرات كبيرة ومتنوعة من حولنا ويجب علينا توحيد الجبهة الداخلية وتحصينها أمام هذه الأخطار والتحديات، لكن بيانات المعارضة كانت في وادٍ آخر، وتطالب بأمور أقل ما يقال عنها إنها ليست أولوية في تلك المرحلة أمام الغزو العراقي الغاشم الذي التهم البلاد والعباد وعاث في الأرض الفساد، فأصبحت الدواوين في مهب الرياح!