قصاصة شريط لاصق فجّرت «فضيحة ووترغيت»... وأطاحت نيكسون ورئاسته

16 يونيو 2022 10:00 م

واشنطن - أ ف ب - ساهم حارس ليلي يقظ، أثارت قصاصة شريط لاصق على باب في مبنى يضم مقر الحزب الديموقراطي في واشنطن، فضوله، في الكشف عن «فضيحة ووترغيت» التي تسببت باستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون، بعدما أبلغ الشرطة في 17 يونيو 1972.

وتبيّن أن وراء عملية «السرقة» الفاشلة التي اكتشفها للتو، فضيحة من العيار الثقيل. فقد كلف مسؤولون على ارتباط بالبيت الأبيض خمسة رجال بزرع أدوات تجسس والتقاط صور لوثائق داخلية بحثاً عن معلومات تورط معارضين لنيكسون.

بعد سنتين على ذلك وللمرة الوحيدة في تاريخ البلاد، اضطر الرئيس الجمهوري المتهم بمحاولة طمس القضية، إلى الاستقالة لتجنب مهانة إقالته.

- «شرط لاصق على باب»

ليل 16 - 17 يونيو 1972 كان الحارس فرانك ويلز البالغ 24 عاماً، يقوم بجولته الاعتيادية في ممرات مبنى ووترغيت الفخم في العاصمة الأميركية عندما لاحظ قصاصة شريط لاصق على قفل باب في طابق تحت الأرض ما حال دون أن يوصد.

لم يثر الأمر قلقه بداية فبادر إلى إزالة الشريط اللاصق ووضعه في جيبه وواصل جولته.

لكن عند عودته لاحظ وجود قصاصة أخرى واشتبه عندها بمحاولة سرقة.

فاتصل فوراً بالشرطة. وقد أدى ويلز دوره لثوان قليلة في مطلع فيلم «آل ذي بريزيدنت مين» من بطولة روبرت ريدفورد وداستن هوفمان.

ودوّن في سجل ووترغيت المحفوظ في الأرشيف الوطني «عثرت على قصاصة شريط لاصق على باب واتصلت بالشرطة لإجراء عملية تفتيش».

وحضرت الشرطة إلى المكان «في غضون دقيقة أو دقيقة ونصف الدقيقة» على ما روى الشرطي جون باريت في مقابلة العام 2017 عبر محطة «إيه بي سي نيوز».

وكان مع زميله بول ليبر بالزي المدني.

وقد صب ذلك في مصلحتهما على الأرجح، إذ إن الفريد بالدوين الذي كان يفترض أن يقوم بمهام الحرسة خلال عملية توغل الرجال الخمسة، لم يرهما على الفور. وربما كان اهتمامه منصباً على مشاهدة فيلم رعب عبر التلفزيون.

وروى باريت «كان شاخصاً إلى جهاز التلفزيون. وكان الأوان قد فات عندما أبلغ الآخرين فلاذوا بالفرار واختبأوا كالفئران».

- ادرينالين

عند دخولهما المبنى لاحظ الشرطيان وجود قصاصات شريط لاصق على أبواب عدة.

وأدركا أن ثمة أمراً مشبوهاً.

وقال بول ليبر عبر «إيه بي سي» أيضاً «لقد ارتفعت نسبة الدرينالين فجأة».

واكتشفا مكاتب تعرّضت للتفتيش بشكل عشوائي واشتبها بأنّ الرجال لا يزالون داخل المبنى.

فراحا يبحثان عنهم قاعة بعد أخرى.

فجأة رصد جون باريس ذراعاً.

وروى «شعرت بخوف كبير.

وقد أكون صرخت اخرجوا رافعين أيديكم وإلا أصبتكم بالرأس».

وأوضح «ارتفعت عشر أياد وخرجوا».

في الجهة المقابلة من الشارع كان الفرد بالدوين يمسك جهاز اللاسلكي.

وروى «سمعت همس صوت يقول: لقد القوا القبض علينا».

- غاز مسيل للدموع

والموقفون الخمسة هم جيمس ماكورد وفيرجيليو غونزاليس وفرانك ستورجيس ويوجينيو مارتينيس وبرنارد باركر.

وأدرك الشرطيان سريعاً أن الأمر لا يتعلق «بحدث عادي» على ما أكد جون باريت.

وأوضح أنّ الرجال الخمسة كانوا يرتدون بزات وربطات عنق «مع وجود أجهزة تنصت وأقلام مسيلة للدموع والكثير من بكرات أفلام التصوير ومعدات تستخدم في تصليح أبواب وأقفال وآلاف الدولارات من فئة مئة دولار».

في 18 يونيو 1972 نشرت صحيفة «واشنطن بوست» أول مقال لها حول هذا الموضوع.

وقد وقعه الصحافي الفرد إي لويس الذي يغطي قضايا الشرطة.

لكن ورد اسما بوب وودوارد وكارل برنستين في قائمة المتعاونين معه.

وتولى المراسلان الشابان القضية بعد ذلك وحققاً في تفاصيل الملف وفازا بـ «جائزة بوليتزر» العريقة للصحيفة من خلال هذه الفضيحة التي أطاحت نيكسون ورئاسته.

«ووترغيت» أدخلت مصطلحاً لغوياً جديداً
واشنطن - أ ف ب - أدخلت عملية سرقة فاشلة قبل خمسين عاما في مقر الحزب الديموقراطي في مبنى ووترغيت، هذا المجمع الفخم في واشنطن التاريخ وبات اسمه مرتبطا بفضائح سياسية ورياضية وفنية.

وتسببت الفضيحة التي كشفتها صحيفة «واشنطن بوست» باستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في 1974 وأعتماد مصطلح «غيت» في الصحف الأميركية والعالمية.

في العام التالي، سميت الرشى التي دفعتها شركة «يونايتد براندز» إلى رئيس هندوراس لتخفيض الرسوم على صادرات الفاكهة، «بانانا غيت».

واستمر المصطلح بالانتشار مع الوقت. في تسعينيات القرن الماضي خلال ولايتي الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، تناول الجمهوريون قضايا كثيرة أثارت جدلا مثل «تروبغيت» و«ترافيلغيت» بعد تسريح أشخاص مكلفين تنظيم رحلات سفر الصحافيين في البيت الأبيض.

وخرج المصطلح من دائرة السياسة مع «نيبلغيت»، عندما ظهر نهد جانيت جاكسون من دون قصد منها خلال نقل مباشر للوصلة الفنية الفاصلة بين شوطي مباراة «سوبر بول» النهائية في 2004.

وارتبطت الكلمة أيضا بواحدة من أكثر الفضائح المدوية في أوساط كرة القدم الأميركية «ديفلايت غيت»، وهي ممارسة تقوم على نفخ الكرات بكمية أقل للتمكن من رميها بسهولة أكبر.

وهي فضيحة لطخت مسيرة نجم هذه اللعبة الكبير توم برايدي.

- «اوبولي» بالإيطالي

وقد انتشر مصطلح «غيت» على المستوى العالمي أيضاً.

وكانت فرنسا من أول المبادرين إلى استخدامه في العام 1973 مع «واينغيت»، وهي فضيحة احتيال هزت اوساط النبيذ العريقة في منطقة بوردو.

يضاف إلى ذلك فضيحة «انغولاغيت» حول مبيعات أسلحة بطريقة غير قانونية لحكومة لواندا في 1944 وقد طالت شخصيات سياسية فرنسية كثيرة.

في العام 2017 خسر رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون حظوظه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد قضية وظائف وهمية شملت زوجته بينيلوب وسميت الفضيحة «بينيلوب غيت».

أما في إيطاليا فكانت فضيحة «روبي غيت» مع سهرات نظمها رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني وشاركت فيها شابات بعضهن قاصر.

وحل المصطلح عندها مكان عبارة «اوبولي» المستخدمة سابقا مثل «كالتشيو بولي» الفضيحة الرياضية التي طالت أوساط كرة القدم المحترفة.

في العام 1992، كشفت صحيفة «الصن» عن فضيحة «سكويدجي غيت» وهو لقب صديق مقرب من الأميرة ديانا، بنشرها مضامين اتصالات هاتفية لا تترك للشك مجالا حول علاقتهما الغرامية.

وفي الأسابيع الأخيرة، أفلت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من مذكرة حجب ثقة داخل حزبه الذي سئم من فضائح عدة من بينها «بارتي غيت» حول حفلات نظمت في مقر رئاسة الحكومة وتخللها إسراف في الشرب خلال مرحلة الاغلاق الصارم جراء وباء «كوفيد - 19».

- «مونيكا غيت»؟

لكن المصطلح لم يفرض نفسه في بعض الحالات.

ففي الولايات المتحدة، سميت قضية بيع أسلحة بطريقة غير قانونية إلى إيران من قبل إدارة الرئيس رونالد ريغان لتمويل تمرد معارضي الحكومة الاشتراكية في نيكاراغوا، «إيران غيت» و«كونترا غيت». لكنها عرفت في نهاية المطاف بتسمية «قضية إيران كونترا».

وتجنب الرئيس بيل كلينتون بشق الأنفس مصير سلفه ريتشارد نيكسون بسبب علاقته الغرامية مع المتدربة الشابة مونيكا لوينسكي، التي لم يطلق عليها «مونيكا غيت».

ورأت ميريل بيرلمان، سكرتيرة التحرير السابقة في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه في تلك الفترة كانت الصحافة لا تحبذ فكرة استخدام هذا المصطلح في كل فضيحة وأضافت «كان هناك تفاوت في اللغة» المستخدمة.

وواجه الرئيس السابق دونالد ترامب فضيحة «راشا غيت» حول شبهات بحصول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية في 2016 ومن ثم «يوكراين غيت» عندما اتهم بابتزاز كييف للحصول على معلومات قد تكون محرجة لجو بايدن في انتخابات 2022.

إلا ان هاتين التسميتين تلاشتا إذ طغت عليهما قضايا أخرى كثيرة مثيرة للجدل طالت الملياردير الجمهوري.

لكن الإسراف في استخدام تعبير «غيت» في الصحف عبر العالم خفف من أهمية الفضيحة الأساسية في السياسة الأميركية، على ما أكدت ميريل بيرلمان.

وأوضحت أن «المصطلح فقد الكثير من وزنه السياسي».