رؤية ورأي

آش في مجلس الأمة

8 يونيو 2022 10:00 م

أجرى عدد من علماء النفس العديد من التجارب التي أثبتت خضوع الفرد طوعاً لرأي الجماعة ولو كانوا أشخاصاً مجهولين لديه. وأرجعوا هذا الخضوع إلى سببين رئيسيين. أولهما هو التأثير الاجتماعي المعياري الذي يقود الفرد إلى التوافق مع الآخرين خشية من الإحراج والتعرّض للازدراء لاختلافه عن الغالبية. والسبب الثاني هو التأثير الاجتماعي المعلوماتي (أو ما يعرف بظاهرة العقل الجمعي) الذي يدفع الفرد إلى تبنّي رأي الجماعة لاعتقاده أنهم مصدر موثوق للمعلومات وأقرب منه إلى الصواب.

قد تكون أشهر هذه التجارب هي تلك التي أجراها الدكتور سولمون آش (Solomon Asch) في الخمسينات من القرن الماضي. حيث كان يطرح أسئلة بصرية (عن ما يُشاهد) على ثمانية مشاركين، السبعة الأوائل كانوا ممثلين يختارون إجابات معظمها خاطئة، وفق توجيهات مسبقة من قبله. ثم كان يقيس تأثير إجابات الممثلين السبعة على إجابات المشارك الثامن، الوحيد غير المدرك لحقيقة التجربة. وبعد تكرار التجربة مرات عديدة، خلص الدكتور إلى أن 75 في المئة من المشاركين تبنّوا آراء الجماعة رغم كونها خاطئة بوضوح.

تطبيقات استنتاجات آش في مجلس الأمة وفي المشهد السياسي غالباً سلبية وأحياناً كارثية. والشعب هو المتضرر الأول من هذه التطبيقات التي مورست بوتيرة متزايدة خلال السنوات الأخيرة. بعض هذه التطبيقات نسبت إلى أطراف محسوبة على الحكومة، التي تعاني من استشراء مزمن للفساد، وفي مقابلها فيض من التطبيقات التي شارك فيها رموز ونوّاب منتسبون إلى المعارضة، التي يفترض أنها إصلاحية تسعى لمكافحة فساد الحكومة. المراد أن جناحي المشهد السياسي المحلي يوظّفان استنتاجات آش في تضليل الشعب واستغلاله والإضرار بحقوقه الدستورية.

فعلى سبيل المثال، بعد انتخابات 2020، الكثير من أفراد الشعب انجرفوا مع العقل الجمعي – الذي خلقه الزخم الإعلامي المكثّف في وسائل التواصل الاجتماعي – المؤيّد آنذاك لانتخاب النائب بدر الحميدي رئيساً للمجلس، ولكن حتى اليوم لا يعلم الشعب ما هي معايير المفاضلة التي تبنّتها المعارضة في اختيار الحميدي مرشحاً عنها لمنصب الرئيس، عوضاً عن نوّاب آخرين معارضين مخضرمين بمؤهلات أكاديمية وشخصية متميزة. لذلك الكثير من الذين انجرفوا مع تلك الموجة الإعلامية، استنكروا لاحقاً (بعد انخفاض الموجة) سياسة «إحنا نشوف شي انتو ما تشوفونه» التي مارستها المعارضة تجاه الشعب إبّان مشاوراتها لتسمية مرشحها للرئاسة.

المثال الآخر، مرتبط بحالة الفراغ السياسي التي يعاني منها الشعب، بل الكويت. وهو مسألة فرض حضور الحكومة كشرط لصحة اجتماع مجلس الأمة. فالمعارضة توظّف استنتاجات آش للتستر على دورها الثنائي في خلق هذا الفراغ. فمن جانب، النوّاب السابقون مسؤولون عن تطبيق عرف نيابي متمثل برفع الجلسات التي تقاطعها الحكومة. ومن جانب آخر، غوغائية المعارضة سبب محوري في لجوء الحكومة إلى مقاطعة الجلسات واستغلال العرف القائم. وهذه الغوغائية لم تقتصر على الشغب بجانب الأمين العام للمجلس والجلوس على مقاعد الوزراء، بل تضمّنت السعي لفرض ممارسات غير دستورية، تحت حصانة العقل الجمعي المصطنع.

ومن باب التوضيح، استذكر اعتراف أحد نوّاب المعارضة المخضرمين – في لقاء حواري متلفز – أنه لم يعترض في مجالس سابقة على رفع الجلسات – لعدم حضور الحكومة – لما يقارب عشرين مرّة، بذريعة أنها كانت قصيرة الأمد. وأنه يعارضها في المجلس الحالي لكونها طويلة الأمد! والأخطر من هذا التناقض، هو أنه يرفض إلغاء العرف القائم عبر الأطر الدستورية، كاللجوء إلى المحكمة الدستورية، ويقترح التصدّي له بعقد مؤتمرات صحافية داخل قاعة عبدالله السالم وعقد جلسات من دون حضور الحكومة.

هذا الأداء الغوغائي، المبني على فرض آراء شخصية متقلّبة عبر ممارسات غير دستورية، يظهره إعلام المعارضة على أنه عمل بطولي بالاستعانة بسلاح آش لتوجيه العقل الجمعي. فاحذروه وتحصّنوا ضدّه... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com