استخلاص عِبّر عسكرية من 100 يوم حرب في أوكرانيا

6 يونيو 2022 10:00 م

اقترفت روسيا أخطاء في الأسبوعين الأولين من الحرب على أوكرانيا، ما أعطى دفعاً جباراً لاعتقاد أميركا وأوروبا انه بالإمكان تدمير الجيش والاقتصاد الروسيين.

إلا أن الفشل الأولي الروسي انقلب لمصلحة موسكو بعد بضعة أسابيع، إذ تواضعت الأهداف وتغيرت الخطط العسكرية واسلوب القتال وتركز الاعتماد في أرض المعركة على المدفعية والصواريخ الدقيقة والمشاة بدل أرتال الدبابات كما حصل في الهجمة الأولى.

كذلك استفادت روسيا مالياً رغم تعرضها لآلاف العقوبات التي لم تفرض يوماً على دولة في العالم. كما استنزفت الغرب - وما زالت - وأظهرت انقسام العالم بين معسكر غربي مقابل معسكر آخر يتألف من أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا (يمثل ثلث العالم) لا يتوافق مع سياسة واشنطن ولا ينصب العداء لموسكو.

ففي الأيام الأولى من الحرب، أقفلت السفارات الغربية أبوابها في كييف ووصل الجيش الروسي في وقت قياسي إلى مدن مثل تشيرنوبيل وهوستوميل على بُعد كيلومترات قليلة من العاصمة الأوكرانية.

وتوقفت قافلة تمتد على طول 67 كيلومتراً على مسافة عشرات الكيلومترات من كييف، التي قيل إن الرئيس فولوديمير زيلينسكي غادرها على عجل على الرغم من التصوير المزيف الذي كان يبثه للتمويه أنه ما زال داخل العاصمة.

إلا ان روسيا دفعت بدباباتها إلى خضم المعركة من دون غطاء جوي مناسب ولا تقدم للقوات الخاصة من المشاة لتنظيف وتأمين الطرق التي تعبرها المدرعات، وهذا ما عرضها لضربات قاسية وخسارة لعدد كبير منها، وهو ما أعطى نشوة الانتصار للأوكرانيين والأميركيين وحلف الناتو الذين اعتقدوا ان القضاء على روسيا أسهل بكثير مما كانوا يتوقعون.

لذلك لم يعد الغرب يرغب بالتفاوض لايقاف الحرب - على عكس ما يحصل اليوم - ورفضت أوكرانيا الشروط الأولية الروسية.

وأظهرت الدراسات العسكرية ان السلاح الغربي ألحق خسائر فادحة بالقوات الروسية التي كانت خطتها مكشوفة لضباط أركان «الناتو» الذين كانوا يخططون ويحركون القوات الأوكرانية بإعطاء الأوامر لها من خلال غرف عمليات عسكرية في بولندا والمانيا.

وقد استطاع ضباط «الناتو» تحديد القوة الروسية المهاجمة ونقاط ضعفها وارسال الأسلحة المناسبة لالحاق الخسائر بها. وهذا ما دفع كييف إلى المناورة والتخلي عن المفاوضات الديبلوماسية والإعلان انها لن توقف الحرب إلا بعد تحرير كامل الأراضي بما فيها شبه جزيرة القرم. ورفع زيلينسكي سقف التحدي في وجه الرئيس فلاديمير بوتين.

ولكن تقبل الخسائر البشرية والعسكرية في العقيدة الروسية، دفع ببوتين لتعديل خطة الهجوم والتخلي عن «القفازات المخملية» التي استخدمها في الأسابيع الأولى بدافع التداخل العائلي بين أوكرانيا وروسيا ولأن موسكو اعتقدت خطأ ان كييف ستستسلم من دون قتال.

وبدا واضحاً إخفاق روسيا في حرب المُسيرات وعدم تمكنها من رصدها وتدميرها. بل كشفت الحرب عن حاجتها إلى المُسيرات التي تمثل الثقل الأساسي للحروب المستقبلية، فطلبت من الصين مساعدتها، إلا أن بكين ردت بأن إرسال السلاح الصيني سيعرض البلاد إلى عقوبات غربية، هي في غنى عنها، إلا أنها تستطيع دعم روسيا في مجالات أخرى متعددة وعلى رأسها شراء النفط الفائض وإمدادها بما تحتاجه من معدات وسلع كانت تشتريها من الغرب، ما دامت لم تعط الغرب أي سبب لفرض العقوبات عليها.

تقبلت روسيا السياسة الصينية «الحكيمة» واقتنعت ان بقاء بكين خارج دائرة العقوبات يصب في المصلحة الروسية. ولذلك توجهت موسكو إلى دول أخرى صديقة تجيد تصنيع المُسيرات على أنواعها، الهجومية والانتحارية وغيرها.

وقد أظهرت الحرب الأوكرانية ضرورة تحديث سلاح الجو الروسي والبدء بصناعة المُسيرات المتقدمة والمتعددة الوظائف. بالإضافة إلى ذلك، وصلت روسيا إلى نتيجة انه ينبغي لها تحديث راداراتها وقوات المشاة التي لا غنى عنها في أي حرب مستقبلية ما دامت هذه القوات تتمتع بغطاء جوي يحمي تقدمها وحركتها.

وبات من الواضح ان روسيا استعادت السيطرة على الأرض في ميدان تحركها.

واعترف الرئيس الأوكراني بمقتل ما يصل إلى 100 جندي وجرح 500 يومياً، بينما سيطرت موسكو على 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية (بحجم بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا) وبحر آزوف، وأحكمت سيطرتها على الملاحة في البحر الأسود.

وتالياً، فان التقدم العسكري الروسي يسير بخطى ثابتة ومن دون استعجال.

وبدأت الأصوات الأوروبية، خصوصاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطالب بوقف الحرب التي يعلم الغرب - بعد تغيير الخطة الروسية - ان موسكو لن تخسر وستحقق أهدافها عاجلاً أم آجلاً.

لقد استمرت أميركا في إيهام أوكرانيا والعالم ان النصر قريب. فاعتبر هؤلاء ان انسحاب روسيا من المدن القريبة من كييف سببه القوات الأوكرانية وشجاعتها القتالية، بينما كان الانسحاب من طرف واحد يهدف إلى تعديل خطها واستبدالها بأخرى.

إلا ان كلفة الحرب بدأت تتصاعد وتتراكم لتصل إلى نحو 70 مليار دولار دفعتها أميركا وأوروبا لغاية اليوم. ومن غير الممكن استمرار الغرب بدفع الأموال الطائلة لأوكرانيا وروسيا (من خلال ثمن الطاقة المرتفع) ما دامت الحرب قائمة ونهاياتها أصبحت واضحة، وهي تحقيق روسيا أهدافها في السيطرة على إقليم دونباس وتدمير الجيش الاوكراني وبنيته العسكرية.

ومن الواضح ان الجيش الروسي كان يحتاج إلى معركة مماثلة لينظف نفسه والعمل على قفل الثغرات الأساسية التي أظهرتها هذه الحرب. وثمة من يعتقد ان على روسيا البدء بالتكيف مع أساليب الحرب الجديدة والتحضر لحرب المُسيرات وتحديث الجيش والاستخبارات العسكرية، بما يتلاءم مع التحديات المستقبلية.