مجيد الحاج حمود / التجاوز الإيراني ينكأ الجرح العراقي
1 يناير 1970
06:53 ص
لم يكن من المتوقع ان تعلن إيران نواياها وخبايا سياستها تجاه العراق بهذه السرعة، وبهذه الطريقة السمجة والمكشوفة واللاعقلانية، سيما وأن «قادسية صدام» المجنونة لم تجف بعد، ومآسيها وشرورها مازالت تعيث فساداً في مختلف جوانب حياة الشعبين العراقي والإيراني.
إن احتلال إيران لحقل الفكة اعتداء صارخ على سيادة العراق وحقوقه الاقتصادية، ولا يمكن السكوت عنه أو التهاون فيه بأي شكل من الأشكال. وفي حال عدم تراجعها وإصرارها على المضي في سلوكها اللاعقلاني هذا، فإنها تكون قد برهنت على أهمية المعاهدة العراقية الأميركية، التي أرعبتها، وأهمية وجود الجيش الأميركي على أرض العراق والأراضي العربية الأخرى، كما برّرت الموقف الإقليمي والدولي المتطير والرافض لمشروعها النووي.
وتكون أيضاً قد أكدت صحة ظنون صدام، التي برّرت تلك الحرب الهوجاء والمشؤومة، والتي مازال العراق يدفع ثمنها حتى اليوم بطرق مختلفة، ومنها التعويضات التي استنزفت الاقتصاد العراقي، وكذلك ترسيم حدوده المائية المجحف في شط العرب، وفق اتفاقية 1975 بين صدام وشاه إيران، واعتبار خط التالوك، المتحرك لغير مصلحة العراق، هو الحدود المائية العراقية الإيرانية (قدّر ما يخسره العراق سنوياً بنحو مئة دونم من أراضيه لمصلحة إيران بسبب ذلك).
وحقل الفكة أرض عراقية قبل معاهدة العام 1975 بين صدام وشاه إيران، وبعدها، وقبل الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها، وقبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبعده. ولا تزال خرائط وملاحق الاتفاق العراقي الإيراني عام 1975 موجودة لدى الجانب العراقي بشهادة دولية.
وجاء احتلال حقل الفكة ليتوّج جملة تصرفات، عزّزت الشكوك العراقية في سلامة نوايا إيران تجاه العراق. ومن هذه التصرفات، على سبيل المثال، إقدامها على تحويل أهم الروافد التي تصب في نهر دجلة، والمهمة للزراعة العراقية، وإعادتها الى أراضيها، مثل نهر الفاروق والوند وكليمان والكنكير. وكذلك تدخلها الكبير والسلبي في السياسة العراقية، ومساهمتها بشكل فعّال في تأجيج الصراع الطائفي، وكذلك الحديث المتواتر عن المخدرات الإيرانية، التي تتسرب عبر حدودها الى العراق، والتي من شأنها تدمير الأطفال والمراهقين (لا سيما أن عدد اليتامى في العراق يقدر بنحو 3 - 5 ملايين يتيم). ومعلوم مدى تأثير ذلك في تخريب البنية الاجتماعية العراقية.
هل تريد إيران تفريغ أزمتها الداخلية المتفاقمة على شرعية السلطة أو أزمتها الدولية، التي مازالت تتصاعد في شأن ملفها النووي في العراق؟ أم أنها وسيلة ضغط على السيد المالكي لحمله على الدخول في الائتلاف الوطني أو الاندماج معه؟ سواء كان هذا أو ذاك فإنها تكون قد ارتكبت خطأ فادحاً، إذ إنها تكون قد أضعفت نفوذها السياسي في العراق، وأضعفت حلفاءها في الساحة السياسية العراقية. ولعل رد فعل الشارع العفوي، وغير العفوي، هو أحد نتائج سياستها التي توّجتها باحتلالها حقل الفكة.
وباعتدائها الصارخ على السيادة العراقية، تكون قد فرشت السجاد الأحمر للنفوذ الإقليمي الآخر، لكي يتعزّز ويزدهر، وقد ينفرد في الساحة السياسية العراقية. كما أنها تكون قد عزّزت جهود النفخ في بعث صدام ليتسلّل إلى الساحة السياسية العراقية ثانية، بما لديه من قواعد مدنية وعسكرية، ليوازن الخطر الآتي من الجار الشرقي.
كان للحكومة العراقية، ولا تزال لديها، أدوات ضغط عدة لرسم علاقة متوازنة مع إيران، بدلاً من ترك الأمور سائبة طوال الفترة الماضية. ومن هذه الوسائل:
- توظيف العلاقة التجارية - الاقتصادية معها. فالعراق - كما هو معلوم - صار سوقاً تجارية مفتوحة للمنتجات الإيرانية الصناعية والزراعية، من دون ضوابط أو مقابل، بما في ذلك منتجات الألبان، وحتى الخبز.
- السياحة الدينية وضرورة توظيفها.
- طرد منظمة «مجاهدي خلق» بثمن متفق عليه مسبقاً.
- الاستفادة من علاقات بعض دول الجوار، وعلى رأسها سورية، رغم تكدر العلاقة معها أخيراً.
- الاستفادة من علاقات الصداقة السياسية التي تربط بعض المجتمع السياسي العراقي بإيران.
- الجامعة العربية ودولها النافذة دولياً وإقليمياً، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي.
- منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأسها مجلس الأمن.
- وأخيراً، التلويح بالاتفاقية العراقية - الأميركية، التي تلزم أميركا بحماية حدود العراق بناء على طلبه.
على الحكومة العراقية أن تتحرك سريعاً لوقف هذه البادرة الخطيرة. والعراق لن يكون لقمة سائغة، وميداناً أبدياً للصراع الإقليمي، وغير الإقليمي، على حساب مصالحه، بل سيتعافى ويخرج من القمقم، وينهض من كبوته، ويرسم الطريق لمستقبله بنفسه بعزم وإصرار، مهما أوغل أعداؤه في كسر إرادته وتطويعه لمصالحهم المريضة. والتاريخ القريب والبعيد خير شاهد على ذلك.
مجيد الحاج حمود< p>