بين «السرقة» و«الاقتباس»، تاه المستمع.
فغالباً ما نسمع عن اتهامات موجهة من أحد الملحنين ضد آخر في ما يخص سرقة لحن أغنية ما، والمبني على عدد من الموازير الموسيقية التي تعتبر وحدة قياس الزمن الموسيقي ومن خلالها تُصنع النوتة الموسيقية، فيما يكون الرد من الآخر أن الأمر لا يتعدى الاقتباس.
لكن ربما غالبية الناس لا تعلم كيفية إجراء وإتمام هذه «السرقة الموسيقية»، ومتى يحق لنا القول فعلياً إن هذا اللحن الخاص بإحدى الأغاني مسروق، أو أنه قد حصل توارد أفكار أو اقتباس من الملحن لا أكثر.
«الراي» استطلعت آراء أكثر من مختص وملحن حول هذا الموضوع باعتبارهم الأشخاص المعنيين فيه.
وفي حين اجتمعوا على ضرورة التفرقة بين السرقة والاقتباس، كان هناك عزف غير منفرد من قبل البعض منهم، عندما اختلف عدد «الموازير» الواجب احتسابها لتوثيق «السرقة».
عبدالله: أساتذة كبار اقتبسوا
فسّر الملحن أنور عبدالله الفرق بين الاقتباس والسرقة بالقول: «إن زادت الجملة عن 4 موازير تعتبر سرقة، لكن الاقتباس قد يحصل عندما يتأثر الملحن – على سبيل المثال - بمازورة واحدة أو اثنتين، ثم بعد ذلك يوظفها ضمن اللحن الخاص به».
وأضاف «للعلم، كثير من الأساتذة الكبار مثل محمد عبدالوهاب والرحابنة وفريد الأطرش وغيرهم قاموا باقتباسات في أعمالهم، ومن وجهة نظري الشخصية لا أرى هذا التصرف ضعفاً بتاتاً، بل على العكس هم سمعوا جملة جميلة وحلوة لا تزيد على 4 موازير أو بالمعنى العامي 4 جمل موسيقية وصنعوا منها لحناً متكاملاً. وقانوناً يحق للملحن مقاضاة من سرق لحنه، لأن ذلك يندرج تحت باب الملكية الفكرية».
القعود: «البوق» يبدأ من 8 موازير
رأى الملحن عبدالله القعود أن «(البوق) وفقاً للقانون، يبدأ من 8 موازير وأخذ ذات اللحن بالضبط (كامل النوتة)، لكن ما يحصل في الوقت الحالي غالبه اقتباس من اللحن وليس سرقة من وجهة نظري، إذ لا ضرر إن أعجب ملحن بأجواء لحن لأغنية ما ثم أخرج منه جملاً لحنية قريبة قام بتوظيفها بأسلوبه وطريقته، وعلى سبيل المثال (قومة أغنية أو القفلة) وشخصياً أقوم في بعض الأحيان بذلك الأمر».
وأضاف «أما السرقة، فتحصل عندما يتم أخذ كتلة من لحن كما هي لأناس تعبوا واجتهدوا ثم ينسبها الملحن له ببساطة، وهنا يعني أن هذا الشخص مفلس ولا يمتلك إبداعاً بعد أن أخذ مجهود غيره».
الخبيزي: تعرّضت للسرقة... ولم ألجأ للقضاء
قال الملحن يعقوب الخبيزي: «في صناعة الألحان عموماً عندما يتم أخذ أكثر من 8 موازير يعتبر في هذه الحالة (بوق عيني عينك)، وهو ليس بالأمر المحبب والجميل إطلاقاً ويجب أساساً ألا نصل إلى تلك المرحلة، لكن ما هو دون ذلك فيعتبر – إن صحّ التعبير - إعجاباً بروح الجملة والمقام، وبالتالي يندرج تحت باب الاقتباس، وعلى سبيل الذكر أشير إلى الأستاذين محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وغيرهما عندما كانوا يعجبون بجملة موسيقية ما سواء كانت إسبانية أو تركية وغيرها، لا يأخذونها كما هي، بل يلعبون حولها».
وأردف: «شخصياً تعرضت كثيراً لسرقة ألحان من أعمالي عندما أخذوا منها جملاً موسيقية كاملة، لكن لم ألجأ إلى القضاء نهائياً (مو صوب هالشي) ولو كان الملحن في حينها قد طلب مساعدتي لكنت فعلت ذلك، إذ ليس من الجميل أن آخذ جملاً موسيقية كاملة بشكل واضح ثم أنسبها لنفسي».
بودلة: كثرة الأغاني من أسباب توارد الأفكار
عبّر الملحن محمد بودلة، عن وجهة نظر في هذا الموضوع، قائلاً: «أصبحت الأغاني في الآونة الأخيرة كثيرة العدد، في كل يوم تصدر أكثر من واحدة، وبالتالي من الصعب أن تسمعها جميعها، لذلك عندما يقوم الملحن بصناعة لحن ما قد تراه مشابهاً لآخر في أغنية طرحت في السوق، وقد يكون لم يسمعها من قبل والأمر كله مجرد (توارد أفكار).
أيضاً، ربما يحصل أن تسمع لحناً ما وينال إعجابك، ومع مرور الوقت عندما تبدأ في صنع لحن لأغنية ما، لا إرادياً تضع من إحساسها في العمل الجديد».
وأضاف: «أما مسألة سرقة الألحان بصورة عامة، فهي موجودة ولا يمكن إنكار ذلك، إذ في أرض الواقع هناك كثير من الأغاني الموجودة حالياً في الساحة، من ألحان غربية تمت سرقتها بالكامل».
الخضر: مع الاقتباس... وفعلناه كثيراً
اعتبر الملحن حمد الخضر، أنه «بالنسبة إلى توارد الأفكار، فهو يحصل من خلال أمر بسيط متشابه لا يؤثر، بحيث لا تتعدى 4 موازير، وذلك بحسب العديد من الأكاديميين الموسيقيين».
وأضاف «لكن في حال كانت جملة كاملة (مطلع أو مذهب)، هنا يصبح الأمر سرقة، وهو أمر لا يمكن إخفاؤه. وشخصياً، لم أتعرض لمثل هذا الموقف بتاتاً، وفي حال حصل لا أتوقع أنني سأتوجه إلى القضاء كوني شخصاً مسالماً، وأؤمن بأن الشخص قد يكون متأثراً بجملة معينة، حينها تجده عندما يشرع في التلحين يتجه مغصوباً إلى اتجاه ما أعجبه ومتأثر به.
أما بالنسبة إليّ، فأنا مع اقتباس الجمل الموسيقية، وهو أمر كثير ما فعلناه من خلال بنائنا على جملة أعجبتنا».