د. أحمد يوسف / «فتح» و«حماس» واستحقاقات الخطوة الأخيرة ... هل تجمعنا «كلمة سواء»؟

1 يناير 1970 06:17 ص
لا شك بأن عدم إنجاز المصالحة الوطنية في القاهرة، والتي بدأت أولى جلساتها في 26 فبراير من العام الماضي، موضع استغراب لدى الفلسطينيين، وهي كذلك نقطة تساؤل بين الجميع في الساحتين العربية والإسلامية.

الكل في «فتح» و«حماس» يقول إنه مع المصالحة الوطنية، ويدعو الآخر إلى التحرك نحوها، ولكن تظل عملية المراوحة في المكان هي سيدة الأحكام!

لقد شهدت الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم وبدايات العام الجديد الكثير من الدعوات والنداءات لرأب الصدع وإنهاء حال الانقسام، بدأها رئيس الوزراء إسماعيل هنية في الذكرى الـ 22 لانطلاقة حركة «حماس»، وكذلك في الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ ناشد الأخوة في حركة «فتح» العودة إلى طاولة الحوار من جديد، باعتبار أن المصالحة الفلسطينية هي قدر ومصير لشعبنا، وهي ضرورة وطنية، لأن الكاسب الوحيد من حال الانقسام هو المحتل الإسرائيلي وليس «فتح» أو «حماس»، وطالب دولة رئيس الوزراء هنية العرب والمسلمين بذل الجهود لحماية المشروع الوطني الفلسطيني ورعايته، وحث مرجعيات الأمتين العربية والإسلامية؛ الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي التحرك لتشجيع مصر - راعية الحوار - على استئناف جولاته المتبقية لإنجاز المصالحة وتوقيع الجميع على وثيقة إنهاء الانقسام، والانتقال بعد ذلك إلى مباشرة إجراءات تطبيقها بملفاتها الخمسة كافة، والتي تقف على رأسها من جهة الأهمية الانتخابات التشريعية والرئاسية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بعد إعادة هيكلتها وإصلاح واجهاتها البرلمانية والتنفيذية، لتحظى بمكانة التمثيل للكل الوطني والإسلامي، وتصبح كما نريدها عنواناً شرعياً وحيداً لشعبنا وقضيتنا.

لقد أنصتنا كذلك إلى كلمات ودعوات مشابهة أوردها الرئيس أبو مازن خلال كلمة له بمناسبة انطلاقة حركة «فتح»، وفي مقابلة أجراها معه «تلفزيون فلسطين» خلال برنامج «على المكشوف». في الواقع، فإن ما تضمنته هذه الدعوات والمناشدات هو بمثابة مبادرات وتوجهات مبعثها - إن شاء الله - نوايا طيبة من قبل «فتح» و«حماس»، وهي تحتاج إلى خطوات عملية تقطع الطريق على كل من يحاول تخريب هذه العلاقة الأخوية بين أبناء الوطن الواحد.

إننا نأمل ونتمنى مع مطلع هذا العام الجديد أن نلتقي على «كلمة سواء» تجمعنا وتأخذ بأيدينا جميعاً خطوة يشتد معها الساعد وتتعزز شوكة الاقتدار الفلسطيني سياسياً وعلى مستوى الفعل المقاوم.

إن الانتظار الذي طال ليس في مصلحة أحد، وأن علينا التحرك من منطلق أن الشراكة السياسية - وليس تكتيكات المكر بالآخر أو تجاهله - هي طوق النجاة لنا ولقضيتنا.

لن ينفع «فتح» اتهاماتها لـ «حماس» بأنها تبني «إمارة ظلام» في قطاع غزة، لأن كل من زار القطاع من وفود غربية - أميركية وأوروبية - يشهد بمدى الانفتاح والمرونة الذي تبديه الحكومة ومؤسساتها في التعامل مع المجتمع الدولي. فالعالم اليوم كله متعاطف مع غزة وأهلها، ويشهد أحرار العالم بحجم الظلم الذي لحق بشعبها، كما أنه يشيد بصمودها الأسطوري في وجه العدوان، ويبارك تضحيات أبنائها وثباتهم أمام الحصار غير الأخلاقي، والذي يعتبر جريمة بحق الإنسانية تشارك فيها الكثير من الرسميات الغربية.

إن غزة اليوم هي عنوان للعزة والكرامة؛ ليس لأهل فلسطين وحدهم، بل لأمتنا العربية والإسلامية.

إن «حماس» (الحركة والحكومة) أبوابها مشرعة للحوار والتواصل مع العالم، وهي ليست في موقع الصورة النمطية التي رسمها الغرب لـ «طالبان»، ويحاول بجهالة إسقاطها على ساحتنا الفلسطينية... لقد وجهت أميركا اتهاماتها لحركة «طالبان» بأنها ضد المرأة، وضد الانتخابات، وضد الغرب، وضد المجتمع الدولي، وضد... إلى آخر هذا المسلسل من التحريض والتشهير بهدف الإساءة لمشهد مقاومتها للغزاة المحتلين.

ولكن من جهتنا، فإننا نود توضيح حقيقة لا يمكن للغرب أن ينكرها، وهي أننا جئنا إلى الحكم بخيار ديموقراطي، وأننا لسنا ضد الانتخابات، كما أننا نتطلع إلى علاقة سوية مع الغرب تُبنى على أسس من الاحترام المتبادل لخصوصياتنا الثقافية والدينية.

إن حركة «حماس» في رؤيتها السياسية للحكم هي أقرب لنموذج أردوغان من ناحية احترامها للعملية الديموقراطية، والتزامها بحقوق الإنسان والقانون الدولي، وإيمانها بالتعددية الحزبية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة.

للأسف كانت هناك أكثر من محاولة للغمز واللمز بحركة «حماس» على لسان الرئيس أبو مازن وبعض قيادات حركة «فتح»، ونحن من جهتنا نود التأكيد على بعض الحقائق التي هي جزء من ثوابتنا الوطنية، وعبرت عنها أكثر من جهة «حمساوية» في العديد من تصريحاتها، وهي:

1 - أننا نرفض وبشدة الدولة ذات الحدود الموقتة، وحقوقنا واضحة في هذا الاتجاه، إذ نقبل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران - يونيو، والقدس عاصمة لها.

2 - لا تنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم.

3 - المقاومة - بأشكالها كافة - حق مشروع لشعبنا، طالما أن هناك احتلالاً جاثماً على أرضنا ويفرض الحصار على شعبنا.

4 - علاقتنا مع عمقنا العربي والإسلامي هي علاقة استراتيجية، ولن نسمح لأحد بتخريب هذه العلاقة، فالقضية الفلسطينية - كانت ولا تزال - هي قضية الأمة المركزية.

5 - المصالحة الوطنية والسلم الأهلي والشراكة السياسية هي خيار استراتيجي لحركة «حماس» لا رجعة عنه.

وختاماً... نأمل أن تشهد الأسابيع المقبلة عودة الحراك إلى الساحة الفلسطينية في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية، عبر الحاضنة المصرية للحوار مع تأييد عربي ومباركة إسلامية.

أتمنى أن يتلقف كل طرف هذه الإشارات الواعدة التي يطلقها الطرف الآخر، وأن يوفر لها الأجواء الإيجابية، حتى يشتد عودها وتؤتي أُكلها... وعندئذٍ يفرح شعبنا، وتدخل البهجة إلى مدنه وقراه وإلى مؤسساته الحكومية والحزبية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد معاناة مضنية ووعثاء سفر طويل على درب تحقيق التكيف السياسي والتعايش الحركي في فسطاطٍ واحد يقبل بعضنا فيه بالبعض الآخر.





د. أحمد يوسف

مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية للشؤون السياسية