أبعاد السطور

بوتين والأرقام القياسية

19 مايو 2022 10:00 م

هناك دوافع للحرب الروسية ضد أوكرانيا، أولوياتها ترتكز بنسبة كبيرة على الأيديولوجيا السياسية التوسعية التي يحملها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رأسه.

لذا، من الخطأ أن تتكلم بعض الأوساط السياسية والأجهزة الإعلامية بأن أهم دوافع العدوان الروسي على أوكرانيا هو خوف وقلق الروس من الحصار الجغرافي والعسكري لدول حلف الناتو الأوروبية بعد أن تنضم أوكرانيا لها، بل هذا الدافع لا يؤمن به إلا قليلو الخبرة من السياسيين وبعض وسائل الإعلام المناصرة لروسيا في حربها على أوكرانيا.

فلقد أسست دول الاتحاد السوفياتي التي بلغ عددها خمس عشرة دولة، حلفاً عسكرياً باسم حلف وارسو في عام 1955، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 اتجهت دول عدة من دول حلف وارسو إلى الانضمام مع دول حلف الشمال الأطلسي المعروف باسم الناتو الذي تم تأسيسه عام 1949، ومن ضمن تلك الدول مثلاً: التشيك والمجر وبولندا، وتلك الدول بعضها مجاور للحدود الروسية، فلماذا لم يحتج الروس على انضمامها للناتو؟! ولماذا لم يحملوا الخوف والقلق في قلوبهم كما حملوه باتجاه أوكرانيا عندما أرادت الدخول لحلف الناتو؟!

لكن الأمر ليس كما يدعيه الروس وليس كما يتبناه من يناصرهم، بل ان حقيقة الأمر أن لبوتين أيديولوجيا سياسية توسعية عسكرية، تقوم على تصوراته ومبادئة كصاحب عِرق مميز فيه الحمية المُطلقة لأسلافه الذين يعود أصلهم للأمبراطورية الروسية العظيمة القديمة، كما يظن هو.

ومن أهم تلك المصادر الأيديولوجية التي تؤثر وتستحوذ على فكر الرئيس الروسي بوتين، هي أفكار ونظريات وتوجهات ومؤلفات السياسي الروسي الذي يلقبونه عقل بوتين، ويلقبونه أيضاً بالأب الروحي لبوتين، وهو المدعو الكسندر دوغين.

قال دوغين في أحد لقاءاته عبر قناة الجزيرة إنّ «له تأثيراً ونفوذاً قوياً على الرئيس الروسي بوتين، وإن تصوراته تلتقي مع تصورات رئيسه بوتين، خاصة حول القضايا الجيوسياسية، فهو ينظّر وبوتين يطبق على أرض الواقع».

فانظروا كيف يتكلم دوغين بهذه الجسارة والثقة عن بوتين، وكأن بوتين منقاد له فكرياً دون أي تردد منه!

ودوغين في رأيه المعلن في أكثر من مصدر يرى أن الحرب ضد أوكرانيا لا بد منها، لأنها حرب استباقية ضد التوسع الأميركي والغربي باتجاه روسيا، وأن أوكرانيا هي بالأصل أرض تعود للإمبراطورية الروسية، وأنه لا يُسمي الذي يقوم به الروس الآن في أوكرانيا حرباً ضد الدولة الأوكرانية، بل هي حرب ضد النازيين الجدد!

وفي كتاب (أسس الجيوبوليتيكا) يذكر دوغين أن على روسيا أن تتمدد وتعمل على مواجهة الهيمنة والزعامة الأميركية، وأن التمدد الجغرافي العسكري لروسيا شيء لابد منه، إن أرادت روسيا استمرار قوتها وإرجاع عظمة إمبراطوريتها القديمة، ودوغين لم يخجل أبداً في كتابه من حبه ودعمه وحماسه في أن تكون لروسيا أطماع توسعية دموية في دول عدة مجاورة لها!

كما أن سياسة الحرب والاحتلال والقتل والدمار والتوسع الوحشي ليس بشيء جديد على بوتين ولا مستغرب منه أبداً، فلقد احتل وقتل بوتين وجنوده العديد في الدول المجاورة له وغيرها، مثل: داغستان والشيشان وأذربيجان وجورجيا... وأخرى، ولقد قتل الجيش الروسي فقط في سورية ما يزيد على مليون مسلم!

ونعود لدوغين المسمى بعقل بوتين الذي تكلم في اللقاء نفسه على قناة الجزيرة حول إمكانية خسارة الروس لحربهم ضد أوكرانيا: «احتمال الهزيمة غير وارد، وإن حدث فإنه سيشكل نهاية بوتين ونهاية روسيا لأننا غامرنا بكل شيء، لذلك يجب الإصغاء جيداً لتصريحات بوتين في شأن إمكانية استعمال السلاح النووي، إما أن تنتصر روسيا أو يزول العالم عبر السلاح النووي»!

هل قرأتم أعلاه ماذا يقول المتغطرس الطاغية دوغين الأب الروحي لبوتين؟!، هل أحسستم بكمية الاستهانة الكبيرة في أرواح البشر عنده؟! هل عرفتم كيف يعمل عقل بوتين؟! وما هو شكل تلك الأيديولوجية التي في رأسه؟!

في النهاية، يقول الكاتب محمد الماغوط: «الطغاة كما الأرقام القياسية، لا بد أن يأتي يوم وتتحطم». وكذلك بوتين ودوغين، إن شاء الله سوف يتحطمان قريباً للأبد على صخرة الشموخ الأوكراني.