الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة

1 يناير 1970 03:33 م
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أسئلة تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، واستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.

وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة ([email protected]) أو فاكس رقم: (24815921)





أثر الإيمان في بناء الإنسان

(1 من 2)




إن الله تبارك وتعالى رتب على الإيمان: دخول الجنان، والنجاة من النيران، وكسوة أهله بحلل الرضوان.

وذلك أن للايمان، أثراً في بناء الإنسان، فالايمان يا عباد الرحمن: يشيد في النفوس الخصال الرشيدة، ويؤسس في الطباع الخلال السديدة.

فالايمان يهدي العقول، الى متابعتها وموافقتها للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، والناس أجمعين).

وتأمل في حال هذا الصحابي الجليل، وكيف قابل متابعة النبي صلى الله عليه وسلم بالتوقير والتبجيل، فقد أخرج أحمد في مسنده عن عبدالله بن هشام رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله، لأنت يا رسول الله أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه. فقال عمر: فلأنت الآن والله، أحب إلي من نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر).

فإذا أردت أن تزن إيمانك يا عبدالله: فسائل نفسك كيف أنت من متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل صدقته فيما أخبر؟ هل أطعته فيما أمر؟ هل انتهيت عما نهى عنه وزجر؟ هل أطعت ربك بما شرع وقرر؟

فبهذا الميزان: الذي يوزن فيه الايمان، يعرف العبد نفسه هل هو من أهل الجنان، أو هو من وقود النيران، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

ألا وأن من علامات الايمان، وأمارات الصدق والاحسان: حب المؤمن لأصحاب نبيه الكريم، عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لأنهم السبب في نقل هذا الدين القويم، والقدوة في الثبات على صراط الله المستقيم، فالوفاء الوفاء: لمن أسدى إلينا معروفاً، والولاء الولاء: لمن كان بالصحبة موصوفاً، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر).

فلا يحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهم ويسبهم ويلعنهم إلا منافق شقي.

وإن من آثار الايمان، التي يُشيد بها بنيان الإنسان: توطين النفس على الإحسان، فالمؤمن يحسن الى الاخوان والجيران، كما أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره، او قال لأخيه: ما يحب لنفسه).

فالمؤمن يتعاهد جيرانه بالهدايا، ويحسن اليهم بالعطايا، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: اذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك: فأصبهم منها بمعروف).

وإن من آثار الايمان، صيانة الإنسان للسان، فيحفظ المؤمن لسانه عن اللغو والبهتان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فليكرم ضيفه).

فالمؤمن لا يخوض في الباطل والمراء، ولا يفرط في المزاح والسخرية والاستهزاء، فالمؤمن ليس بلعان ولا سباب، ولا كذاب ولا نمام ولا مغتاب.

إذا المرء لم يحزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخزان

فيا أيها الإنسان: أمسك عليك هذا اللسان، فإنه سبب لدخول الجنان، أو سبب لورود النيران، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في النار. فقال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الاقط - وهي القطع من اللبن الجامد المستحجر -، ولا تؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في الجنة) أخرجه أحمد والبخاري في أدبه المفرد وابن ماجه.

وإن من آثار الايمان، في بناء الإنسان: حسن معاشرته للنساء، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً).

فالمؤمن بالخيرية موصوف، لأنه يمسك زوجه بالمعروف، فلا يتجاوز حده في التأديب، ولا ينتهك الحرمة بالضرب والتعذيب، فقد أخرج أبوداود في سننه عن إياس بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله. فجاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن - أي: نشزن واجترأن-، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم).

وإن من آثار الايمان، في بناء الإنسان: حرصه على كسب المال الحلال، وتنزه عن كل ما عاقبته سحت ووبال، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل). فالمؤمن طيب لا يرابي، ولا يقبل الرشوة ويحابي، فكيف يطيب لمؤمن أن يأكل الربا ونبيه صلى الله عليه وسلم يشنع حاله، ويقبح وصفه ومثاله، فقد أخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها: مثل اتيان الرجل أمه، وأربى الربا: استطالة الرجل في عرض أخيه).

وكيف يهنأ مؤمن بطيب عيش وهو عن رحمة ربه مطرود، وفي عداد الملعونين المطرودين معدود، فقد أخرج أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي).

فالربا محق وان سمي بالفوائد والعطايا، والرشوة سحت وإن سميت بالهبات والهدايا.