قيم ومبادئ

كيف تعيش ثقافة الآخرين؟

12 مايو 2022 10:00 م

كثير من المشاهير يعيشون في نفوس الجماهير أكثر ما يعيشون في نفوسهم! أي أنهم لا يتحرّكون ولا يسكنون ولا يصرّحون ولا يتحركون إلّا لأن الناس هكذا يريدون؟

حتى أصبحت حياة أحدهم لو فتش عنها لا يجد لها أثراً إلا في عيون الناظرين، أو آذان السامعين أو مجالس المتكلمين في الدواوين!

فأي قيمة لحياة هذا الإنسان التي لا عمل له فيها إلا معالجة نفسه وتذليلها على الرضا بما يرضى به الناس، فيلبس من اللباس ما يستخدمه ولا يخدمه فيحرج صدره أو يقصم ظهره ويشرب من القهوة في الدواوين ما يحرق أمعاءه ويأكل أحشاءه ويضحك لما يبكي ويبكي لما يُضحك! ويبتسم لعدوه ويقطب في وجه صديقه فتحملوا في سبيل ذلك شقاء العيش وأثقال الحياة ما نغّص عليهم عيشهم وأفسد حياتهم... يبيع منزله لدفع نفقة مأتم وأثاث منزله في نفقة عُرس فلا تجد لفعله مسوغاً إلا خوفه من سخط الناس واتقاء مذمتهم في مقابل الرجل الرشيد الذي إذا تكلموا يملؤون الصدور والأسماع من حلاوة حديثهم فتجده يرمي بالرسالة من رسائله سواء في المنصة الإعلامية أو وسائل التواصل ثم يمضي لسبيله قدُما فلا يمشي وراءها مشية المتسمع المتجسس ليعلم ما رأى الناس فيها؟ وماذا يقولون عنها؟ وهل سخطوا عليها أو فرحوا بها؟ ولا تجده يمشي متنقلاً في النوادي والمجمعات سائلاً عنها كل غادٍ ورائحٍ ليجد خيرا فيضحك أو شراً فيبكي، بل تجده كثيراً ودائماً يسمع أحاديث الناس عنه في حال الرضا أو السخط، فتجده ساكنا هادئاً كأنما يحدثون غيره ويعنون سواه! وهو في قرارة نفسه لا فرق عنده بين (أحسنت وأجدت) أو (أسأت وأخطأت) وكأنه يسير في الطرق وعلى يمين الطريق روضة وجنة خضراء تغرّد أطيارها وتتألق أزهارها، وعلى يسار الطريق غابة سوداء تزأر أسودها وتعوي ذئابها وتفح أفاعيها، وهو جاد في سيره لا يلتفت يمنة مخافة أن يلهو عن غايته بشهوات سمعه وبصره ولا يلتفت يُسرة مخافة أن يهيج بنظراته فضول تلك السباع الضارية فتعترض طريقه إلى هدفه الذي يسعى إليه. وهو يعلم تمام العلم ان عوام الناس ينقسمون إلى قسمين فهم إما رجل ذكي وهبه الله سلامة الفطرة وصفاء القلب ولين الجانب ما يؤهله لسماع القول واتباع أحسنه، أو رجل ضعيف قد حيل بينه وبين نفسه فهو لا يرضى إلا عما يعجبه ولا يسمع إلا ما يطربه فأوكل أمره إلى الله واستلهمه صواب الرأي فيه حتى يجعل له في أمره يسرا، فالذي لا يعيش ثقافة الجماهير لا يكتب ليُعجب الناس بل لينفعهم ولا يكتب ليسمع منهم «أنت أحسنت اليوم» بل يكتب ليجد في سلوكهم أثراً مما كتب فلو أن (الفلورز» أعطوه لايك بالملايين ثم رأى من بينهم رجلاً واحداً ينتفع بما قال لكان لهذا الواحد المستفيد أثر في نفسه أحب إليه من إعجاب الملايين بلا أثر.

فلماذا تعيش ثقافة غيرك؟

ولعل في هذا جواب للسؤال... لماذا عجز السياسيون عن إصلاح حال هذه الأمة رغم كثرتهم وتنوع أحزابهم؟!

الجواب

لأن همّ الواحد منهم رضا الناس ورضا الناس غاية لا تدرك وليس همه أن ينفذ إلى نفوسهم ويملك ناصية قلوبهم وعقولهم فيعدل بها عن ضلالها إلى هداها وعن فسادها إلى صلاحها وعن بطالتها إلى عملها وانتاجها... وهذا مثله كمثل الفارس الكذّاب تراه كل يوم حاملاً سلاحه إلى الحداد ليشحذ له حدّه أو الجوهري يرصّع له قبضته ولا تراه يوماً في ساحة العمل ضارباً به!

الخلاصة:

الفضيلة إذا خالطت قلب الإنسان واستقرت في ضميره جعلها ميزاناً يزن به أقواله وأفعاله كما يزن به أقوال الناس وأفعالهم ثم لا يبالي بعد ذلك أرضوا عنه أم سخطوا عليه؟ هذه هي ثقافتنا تربينا عليها والسلام على من اتبع الهُدى.