معركة إنهاء «الأحادية» الأميركية لن تكون سهلة!

27 أبريل 2022 06:30 م

يقول المفكر والفيلسوف الروسي الكسندر دوغين إن «العقوبات الغربية على روسيا قاسية جداً، ولكنها قاسية أيضاً على سكان واضعيها».

ويستطرد أن «العقوبات صحية جداً لأن ذلك سيدفع روسيا للعودة إلى الإنتاج المحلي وعدم الاعتماد في جزئية منه على الغرب وإعادة تنشيط وبناء الاقتصاد الذي فقدناه سابقاً.

لذلك، إذا ما أردنا من أي دولة بيع الغاز أو أي منتوج لدينا، فعلينا التوجه نحو الدول التي ترفض الأحادية الأميركية وتريد التخلص من الهيمنة الغربية التي طالت لعقود.

وهذا ما تصبو إليه الصين وفعلته إيران منذ زمن طويل».

لا شك فيه أن المعركة التي تحصل على أرض أوكرانيا، لا تشبه الحرب العالمية ولكنها ليست بعيدة عن هذا الوصف كثيراً.

فالحرب العالمية الثانية، بدأت في أوروبا واشتركت فيها دول عدة.

واليوم، فإن أميركا وعشرات الدول الأوروبية تشترك في الحرب بطريقة أو بأخرى.

فالغرب بدأ إرسال الطائرات والأسلحة الفتاكة ويرسل وحدات خاصة (كما تفعل بريطانيا) ويقدم الدعم الاستخباراتي اللا محدود ويحارب من خلال الجيش الأوكراني، الدولة الروسية العظمى التي تمتلك أكبر ترسانة سلاح نووي ويستخدم أشد الأسلحة فتكاً، أي العقوبات الاقتصادية والمالية.

لهذا السبب، استطاعت موسكو استعادة السيطرة على الحرب بعد أن فشلت الخطة الأولى في إخضاع كييف عبر قتال خفيف وبإيقاع أقل الخسائر الممكنة واستخدام الهيبة الروسية التي اصطدمت بجيش أوكراني مستعد للقتال ويعتمد على الغرب في كل معنى الكلمة (مادياً، اقتصادياً، عسكرياً، أمنياً، اسختباراتياً واستقبال اللاجئين).

ودفع الرئيس فلاديمير بوتين عدداً كبيراً من القتلى من جنوده، ليدرك أن أوكرانيا دولة معادية بكل ما للكلمة من معنى، ولن تستقبل قواته بالورود. إلا أنه أثبت أنه يستطيع تحمل الخسائر، ولكنه مصمم على تحقيق أهدافه مهما ارتفع الثمن.

لم تكن خسارة الطراد «موسكفا» بسيطة بل مدوية، وهي نتيجة تعاون استخباراتي غربي دقيق. إلا أن القيادة العسكرية الروسية اتخذت قراراً، بموافقة القيادة السياسية، باعتبار أوكرانيا «دولة عدوة».

وتالياً فإن الخطة الثانية التي يبدو أن روسيا قد بدأت تنفيذها، تقضي برفع القفازات كلياً واستخدام الأسلحة الفتاكة وتأمين دخول القوات عبر خطة كلاسيكية تمهد لها ضربات قاسية لم تعد تميز كثيراً بين المحافظة على البنى التحتية - كما كانت الحال في الأسابيع الأولى من الحرب - أو تدميرها وضرب احتياط النفط الأوكراني ومراكز تجمع العتاد العسكري الأوكراني والغربي على الأراضي الأوكرانية.

أدركت روسيا أن الغرب خرج لمحاسبتها ولضربها ولإبعادها عن الصين، ولكن فوق كل شيء لإفقادها الشهية بمقارعة القطب الأميركي الأوحد في العالم. إلا أن الدول الكبرى تعرف بقوتها العسكرية والترسانة النووية وقدرتها على احتلال دول أخرى من دون محاسبة، ولكن قبل ذلك بقدرتها الاقتصادية.

لذلك كانت روسيا استعدت للحرب الاقتصادية رغم عدم توقعها أن تكون العقوبات بالحجم الحالي الأشد قسوة.

واستعدت عسكرياً من خلال تعديل خططها والتأقلم مع الوضع الحقيقي واستعادة المبادرة لشن هجمات أكثر تنسيقاً مع أهداف محددة قابلة للتنفيذ.

ولذلك فإن القرار الروسي بمهاجمة أميركا في أوكرانيا، لا رجعة عنه.

وبلوغ الحرب هذه المستويات يعني أن أوكرانيا ستدفع الثمن وأوروبا ستصبح أكثر فقراً أو أقل ثراءً بعد أن فقدت القرار، ورضخت للإرادة الأميركية واختارت أن تتخذ موقفاً معادياً لروسيا رغم نتائج القرارات الصعبة على الشعوب الأوروبية.

وإذا قبلت أوروبا بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك من شأنه التزام الدول الغنية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا في الدرجة الأولى) بإعادة بناء ما دمرته الحرب.

وهذا من شأنه أن يرهق الاقتصاد الأوروبي الذي تضرر في شكل كبير من تداعيات «كوفيد - 19» لأعوام، وكذلك ارتفاع الأسعار في شكل عام، خصوصاً أسعار النقل والغاز.

أما موسكو، فقد اتخذت قرارها بإعادة النظر باقتصادها ليصبح «اقتصاداً مقاوماً» للهيمنة الأميركية، وبالعمل على التخلي عن الغرب حتى ولو كان هو من يمول مادياً الحملة العسكرية وتكاليفها من خلال ثمن الغاز الذي تدفعه أوروبا إلى روسيا.

إنه مسار لا بد أن ينتج مخاضاً عسيراً سينتهي بولادة عالم جديد، إلا أن هذه الولادة ستحتاج معارك كثيرة - لربما عسكرية في مواقع أخرى - يمكن أن تكون بالواسطة من خلال الحلفاء أو عبر مواجهة مباشرة.

أما النتائج فهي غير محسوبة، لأن انضمام دول جديدة على الحدود الروسية لن يمر مرور الكرام في موسكو التي لن تتردد في الوقوف ضد أي توسع إضافي لحلف شمال الأطلسي الذي أوجدته أميركا في الماضي لمحاربة الاتحاد السوفياتي أولاً، وعملت على توسيعه لتجابه روسيا لاحقاً، خصوصاً بعد كشف فنلندا والسويد نياتهما بالانضمام إلى حلف «الناتو».

ما من أحد يعتقد أحد أن أميركا ستنزل عن عرشها بسهولة.

إلا أن حجم الأضرار التي ستنتج عن هذه المعركة الشرسة من الصعب جداً توقعها وتصور حجم أخطارها على العالم بأجمعه.