ألوان

فتح الأندلس

26 أبريل 2022 06:00 م

تتنافس شركات الإنتاج ومعها تلفزيونات الوطن العربي الحكومية والخاصة بشهر رمضان المبارك، على حشد أكبر عدد من المسلسلات التلفزيونية، طمعاً بجذب الجماهير العربية، ويكون عادة النجاح نسبياً نظراً لتعدد ميول الجمهور العربي، وقد يدفع حماسة التنافس بين القائمين على تنفيذ تلك المسلسلات لإحداث شرخ في الثوابت الدينية والاجتماعية، الأمر الذي يثير الناس، فيكتب أهل الصحافة نقداً إضافة إلى التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت سلاحاً ذا حدين، ولكن لا يعني ذلك عدم وجود أعمال جيدة تستحق المشاهدة خلال شهر رمضان المبارك، وإن كان هذا التزاحم الدرامي على حساب بقية العام حيث تضطر تلك القنوات إلى إعادة الدراما التي سبق وأن قامت بإنتاجها أو بشرائها كي تغطي ساعات البث، بل إنها تقوم بإعادة بثها في وقت متقدم من الليل.

وبالنسبة لي ومن خلال متابعتي المتواضعة، فقد لفت انتباهي مسلسل يحمل اسم «فتح الأندلس» الذي يتمتع بمزايا عدة، منها أنه باللغة العربية الفصحى، كما أنه يتناول جزءاً من تاريخ أمتنا العربية الإسلامية، وهو يقدم صورة جميلة لعيني المشاهد، كون التصوير في أماكن جميلة جداً، وإن كان بعضها للتقنية حضورا، ولا بأس بذلك لطالما أنه يخدم العمل الدرامي. ومن ميزات المسلسل أنه عمل درامي يحترم الدين والعادات والتقاليد والأعراف، وليس فيه ما يخدش الحياء من لفظة أو لقطة، أي أنه مناسب لأن تجتمع أفراد الأسرة وتقضي معاً في ليالي شهر رمضان وقتاً جميلاً في أمر بريء، بعيداً كل البعد عن أي إسفاف قدمته بعض المسلسلات على مستوى القصة واللباس ومحاولة التأصيل بأن تلك الأمور الشاذة إنما هي ظاهرة في المجتمع، وهذا تدليس يجب وضع الحلول الناجعة للحيلولة دون بثها إن لم يكن منع إنتاجها.

ومن الأمور الإيجابية في مسلسل «فتح الأندلس»، أن المخرج كويتي وهو محمد سامي العنزي، الذي بدأ مسيرته مديراً للإنتاج ثم منتجاً منفذاً فمنتجاً لعدد من الأعمال الدرامية التاريخية الرائعة مثل الحسن والحسين، والإمام الشيخ أحمد بن حنبل، والآن يتصدى للإخراج ويقود فريق عمل كبيراً، يضم نجوماً، من مثل رفيق علي أحمد وبيار داغر من لبنان، وعاكف نجم من الأردن، ومجموعة من الفنانين السوريين، إضافة إلى مشاركة بعض الكويتيين مثل مدين الرشيدي، على مستوى النص، والفنان محمد العجيمي والفنانة منى شداد.

ويتناول المسلسل قصة القائد الإسلامي طارق بن زياد، خلال أحداث التجهيز لفتح الأندلس والصعوبات التي واجهت المسلمين بتوجيه الأمير موسى بن نصير، في عصر الوليد بن عبدالملك، حيث يقدم المسلسل قيماً إسلامية عدة، أهمها الجهاد في سبيل الله في شهر رمضان المبارك، والتضحية والإيثار، ولا يعني ذلك أنهم كانوا في مجتمع مثالي لكنهم حتماً بوضع أفضل من وضعنا الحالي.

ورغم أن هناك بعض النقد والاحتجاجات حول بعض تفاصيل أحداث المسلسل، خصوصاً في المغرب، إلا أن ذلك في صالح العمل الفني، خصوصاً أنه لم يتلقَ تلك الاحتجاجات بسبب قصة مسيئة للدين والمجتمع، ناهيك عن المشاهد الجريئة والملابس الفاضحة من قبل بعض الممثلات، ولا يمكن مقارنة «فتح الأندلس» بتلك المسلسلات.

وأتمنى من المخرج محمد سامي العنزي، أن يتحدث عن تفاصيل إنتاج المسلسل بعد عيد الفطر السعيد حيث يكون المشاهدون تابعوا الحلقات كافة.

إنني أحيي المواطن الكويتي المخرج محمد سامي العنزي، على توجهه نحو إنتاج مثل تلك الأعمال الدرامية التاريخية التي تعمل على شحذ الهمم لدى أبناء الجيل الجديد، الذي لا يقرأ ولا يعرف عن تاريخ الأمة إلا القليل من المعلومات والقشور من الحضارة الإسلامية التي ضمت قوميات عدة، مثل العربية والكردية والتركية والهندية والفارسية وغيرها من الثقافات التي كانت تعيش في بوتقة واحدة، وتأتي مثل تلك الأعمال الفنية لتقدم للأجيال الحالية والمقابلة عملاً جذاباً يقدم مادة ثقافية من شأنها أن تخبرهم عن تاريخ الأمة المجيد.

نعم إن انتاج مثل تلك الأعمال الدرامية يضع المخرج محمد العنزي، أمام مسؤولية كبيرة نحو الاستمرار واجترار النجاحات، رغم صعوبة التسويق لمثل تلك الأعمال الدرامية، والتي تعكس أبعاداً أيديولوجية في عملية الاختيار لما يراد بثه للمشاهد العربي، إلا أنه مثلما هناك قنوات لا تشتري تلك الأعمال، فإن هناك من يقتني تلك الأعمال الدرامية التي تحترم الأسرة العربية دينياً واجتماعياً، وهي تحظى باحترام رجل الشارع محلياً وخليجياً وعربياً... وعلى المحبة نلتقي.