د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / الزيارات المفاجئة

1 يناير 1970 08:06 ص

يتفاجأ العاملون في القطاعات الحكومية بزيارات خاطفة وسريعة لمسؤوليهم أثناء العمل تهدف إلى كشف مجريات الأمور في الادارات والوقوف شخصيا على الايجابيات والسلبيات في مواقع العمل. هذه الزيارات الفجائية وغير المحددة أو المعروفة مسبقا في مجملها تعكس رغبة الوزير أو الوكيل أو المدير في تلمس الواقع شخصيا، من دون الاعتماد على الآخرين، أو الاكتفاء بالمعلومات الواردة عن سير الاعمال ومشكلاتها، والتي تدل في الغالب على مواطن الخلل والاهمال وغياب العاملين واطلاع المسؤول شخصيا على صحتها وموثوقيتها.

لا شك ان الزيارات المفاجئة للمسؤولين لاقسام وقطاعات العمل من دون تحديد موعد مسبق يصب هدفها في الوقوف على الواقع، وتلمس المشكلات الحقيقية، واتخاذ اجراءات بحق المخالفين والمقصرين في واجباتهم. لكن من عيوبها الاستهداف الاعلامي الذي يراد منه نقل صورة للعامة في ان القيادي لا يقبل بالتقصير، وهو حريص على محاسبة الآخرين إذا تأكد من أوجه القصور. هذه المنهجية بلا شك يجب ألا تكون الوسيلة الوحيدة في معالجة الفساد الاداري، وانما لا بد اعتبارها جزئية من مكونات الرقابة على الأداء العام مع تجنب إثارتها اعلاميا، والاكتفاء بالزيارات من أجل الاصلاح والمتابعة.

كذلك هذه الزيارات المفاجئة لمواقع العمل لا تعني بالضرورة المعالجة الجذرية التي تمنع تكرار المشكلة او انها تصب في خطط التطوير الحقيقية للادارة، فالزيارات متقطعة وتعد من الاساليب المبتورة التي لا فاعلية لها على مستوى التطوير الاداري الذي يتطلب البحث في مختلف العلل الادارية والفساد مستشر في مختلف جوانب الجهاز الاداري، ومنه فساد بعض المسؤولين أنفسهم، كما ان هذه الزيارات تدل أحيانا على الاقرار بوجود الاختلالات في الادارة، خصوصا على مستوى الأفراد من ناحية ادائهم وانضباط وجودهم في العمل، وتفانيهم في الخدمة والتطوير، وابتعادهم عن استغلال وظائفهم لاغراض شخصية، وان المعالجات الجذرية للمشكلات الادارية ليست ممكنة ويسيرة لدى المسؤول.

لذلك الكثير من العلل الادارية لا تعالج بالزيارات المفاجئة، وانما لا بد من اعداد خطة تطوير اداري تجنب حدوث هذه العلل، وتبعد المقصرين، وتحاسب على ضعف الاداء والقصور في الوظائف العامة، رغم ايماننا بأن الزيارات المفاجئة احيانا تعالج المشكلات الآنية، لكن ليس هو الاسلوب الذي يعتمد عليه في معالجة المشكلات واحداث اصلاحات لها تأثيرات بعيدة المدى. وكما يقول المثل «فاقد الشيء لا يعطيه»، أي انه اذا كانت الاسس الادارية مختلة، والعلل قائمة فان معالجة النتائج سواء بالزيارات المفاجئة أو غيرها لن تفيد كثيرا امام حجم المشكلات وتناميها، والفوضى السائدة في الادارة الحكومية.


د. يعقوب أحمد الشراح


كاتب كويتي

[email protected]