طفلة بين الضحايا ونجاة 45 شخصاً والعشرات في عداد المفقودين

بعد فاجعة غرق «مركب الموت»... طرابلس تغرق في الغضب والتوتر

24 أبريل 2022 08:20 م

- ميقاتي أعلن الحداد الرسمي اليوم على الضحايا
- الجيش اللبناني يتّهم قائد الزورق بالقيام بمناورات للهروب من خفر السواحل مّا أدى إلى ارتطامه بالخافرة

... جثثٌ تطفو على سطح الماء، عائلاتٌ على رصيف مرفأ طرابلس كأن «الحياةَ توقّفتْ» عندها وهي تنتظر على «أقدام البحر» مركباً راجِعاً وعلى متنه «عائدون من الموت» أو خبراً «ولو أسود»، ودموعٌ وغضبٌ وأكثر أمام مستشفياتٍ احتضنتْ ضحايا وناجين من كابوسٍ «قَتَلَ» حلماً بالنجاة من وطنٍ تحوّل أشبه بـ... «مقبرة للأحياء».

مَشْهدٌ تراجيدي ارتسم في «عاصمة البؤساء» التي لم تَكْتَفِ بلقب الأكثر فقراً على ساحل المتوسط، بل بات أبناؤها «الأكثر مطلوبين» لرحلات هجرة غير شرعية تغذّيها انهياراتٌ عاتية وضعت اللبنانيين ومنكوبي طرابلس وأخواتها أمام معادلة قاتلِة: جهنّم من ورائكم والبحر أمامكم.

ليل السبت - الأحد حلّت المأساة، حين «ابتلع» البحر رحلةً إلى «أرض الأحلام» بمَن فيها، انقلب زورقهم الذي كان انطلق من منطقة القلمون بطريقة غير شرعية باتجاه قبرص ومن ثمّ نحو السواحل الإيطالية، في «مشوار موت» انتهى على مرأى من البحرية اللبنانية التي كانت تحاول اعتراض المركب وبعد احتكاك معها، فافترش العشرات «الأزرق الكبير»، بينهم نحو 45 أَفْلَتوا من «أنياب البحر» وما بين 6 و9 بينهم طفلة (عام ونصف عام) وربما أكثر التهَمَهُم الموج، وما يزيد على 20 مفقوداً تواصلت عمليات البحث عنهم.

... ايلان الكردي «مات» مجدداً على شواطئ طرابلس. هنا بدا وكأنه «يُمْسِكُ» بيديْ تالين محمد الحموي ابنة الـ 18 شهراً، الملاك التي صعقتْ صُوَرُها لبنان، تماماً كما فعل في سبتمبر 2020 حين «لاقى» طفلين خطفتْهما أيضاً رحلةٌ غير شرعية (قضى فيها 10 أشخاص) أصابت طرابلس حينها «في قلبها» الذي لم يعُد يقوى صدمات الجوع وطعنات البؤس، وبات ينبض بأحلام صغيرة يطاردها أبناؤها خلف البحار و... مهما كان الثمن.

ورغم أن «قوارب الموت» أصبحت مُرادِفاً لـ «مدينة البحر»، فإن مجزرة 23 أبريل 2022 اتسمت بمجموعة علامات فارقة تَداخَل فيها الإنساني بالأمني والسياسي، عشية انتخابات نيابيةٍ (15 مايو المقبل) تَشابَك «هديرُها» أمس مع «صهيل الحزن» و«قرقعة الغضب» الذي حوّل طرابلس صندوقةَ توتر عالٍ. وأبرز هذه العلامات:

- أن مَن ركبوا البحر والخطر كانوا عائلات بأمها وأبيها وأبنائها (وهناك عائلات بأكملها بين المفقودين) وهي من الأسماء المعروفة في طرابلس، مثل الدندشي، الجمل، طالب، الحموي ومرعب.

- أن الناجين من الموت لم يتوانوا عن تأكيد أنهم سيعيدون الكرّة «مرة وثانية وثالثة، فلم نعد نستطيع العيش هنا، وفي حدا منا بدو يموت أو يهاجر... يا نحنا يا السياسيين».

- أن تَضارُباً حصل حول ملابسات غرق المركب، بعدما تحدّث ناجون عن أن زورقاً تابعاً لخفر السواحل اللبناني تعمّد الاصطدام بالقارب وسط تهديدات «بدنا نموّتكم»، وذلك في سياق قرار منْعه من إكمال الرحلة فتعطّل وأخذت الأمواج الكبيرة ترتطم به والمياه تملأه، فيما كان آخرون يشيرون إلى أن المركب المؤلف من طبقتين كانت عليه حمولة زائدة فاقمها التحاق أشخاص به في الدقيقة الأخيرة ولم يكونوا دفعوا أموالاً للمهرّب، وهو ما ساهم في صعوبة التثبّت حتى من العدد النهائي لَمن كانوا على متن الرحلة المشؤومة.

- المناخات البالغة التوتر حيال الجيش بعد التصويب عليه من عدد من الأهالي، بالتوازي مع أجواء إعلامية حاولت تحميل المؤسسة العسكرية مسؤولية الفاجعة، وهو الأمر الذي تَرَك علامات استفهامٍ حول إذا كان ثمة قطبة مخفية تسعى لاستثمار المأساة في إشعال «فتيل» قلاقل أمنية تستفيد من الغضب العارم الذي عمّ الأهالي المفجوعين، ويمكن أن تشكّل أرضيةً لتسخينٍ «مقصود وموجَّه» يُراد به أن تستعيد عاصمة الشمال دور «صندوقة البريد الناري» وهذه المرة رَبْطاً بالانتخابات النيابية وترْك «الخيارات مفتوحة» أمام المضي بإجرائها أو الإطاحة بها في ربع الساعة الأخيرة، وأيضاً ربْطاً بالانتخابات الرئاسية التي غالباً ما يُزج اسم قائد الجيش العماد جوزف عون، كأحد الأسماء المطروحة فيها.

وسُجِّل أكثر من إشكال نهاراً بين الجيش وأهالي طرابلس، وبينها واحد وقع حين حاول الأهالي منع وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار موفداً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إكمال تصريح صحافي كان يُدلي به فانهالت عليه وعلى المسؤولين الشتائم، وهو المناخ الذي كان عبّر عن نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي حيث انفجرت «حملة غضب» بوجه الطبقة السياسية بمَن فيها «أغنياء مدينة الفقراء».

كما سُجل تحرّك لمواطنين أمام منزل وزير الداخلية بسام المولوي في طرابلس، احتجاجاً على ما صدر عن الجيش في ما خص غرق المركب، والذي ساد اعتقادٌ بأنه قد يهدىء من الأوضاع، لِما تَضمّنه من إيضاحات قدّمها قائد القوات البحرية العقيد الركن هيثم ضناوي، بعد ظهر أمس.

وطالب المعتصمون أمام منزل مولوي كل نواب المدينة ووزرائها بالمغادرة ملوّحين بتصعيد إضافي، فيما كان صوت رصاص كثيف يُسمع أثناء تشييع ضحايا، وذلك قبل تسجيل قطع طرق بالإطارات المشتعلة في أحياء عدة في منطقة القبة وسط غضب وتوتر كبيريْن ترافق مع إطلاق رصاص.

وكان ضناوي أوضح أن «صناعة المركب الذي غرق أمام سواحل طرابلس تعود إلى العام 1974، وهو صغير طوله عشرة أمتار وعرضه 3 أمتار، والحِمل المسموح له هو 10 أشخاص فقط ولا وجود لوسائل أمان فيه، وبالتالي الغرق كان محتماً ولا مهرب منه».

وأشار إلى أن «قائد المركب اتخذ قراراً بتنفيذ مناورات للهروب من خفر السواحل، مّا أدى إلى ارتطامه بالخافرة، ولدينا دلائل ملموسة على هذا الأمر، أما كلّ ما يُشاع غير ذلك فلا أساس له من الصحة».

كما اعتبر أن «الاشاعات التي تُطلق هدفها يصبّ في الإطار السياسيّ، إنّما على أرض الواقع قامت فرقنا بفعل كلّ جهودها لإنقاذ الركاب، حتّى انّهم قاموا برمي السترات الواقية لهم، ولكن لا بد من الذكر أن المركب تحمّل وزناً 15 ضعف ممّا هو قادر على تحمّله».

وأكد «نتحمّل مسؤولياتنا كاملة في قيادة الجيش، وإذا حصل أيّ خطأ لفظيّ نحن سنحاسب الشخص المعنيّ، ولكن على الصعيد التقني وأرض الواقع فنحن لم نقترف أيّ خطأ».

وإذ أعلن أنه «ولولا وجود عناصرنا بالقرب من المركب لكان عدد الضحايا اكبر، وعناصرنا قامت بواجبها وهي التي انقذت العدد الأكبر من ركاب الزورق»، أوضح ان عدد الناجين بلغ 45 شخصاً «ولدينا 5 جثث بالإضافة الى الطفلة التي توفيت ومن الممكن أن يكون هناك مفقودين نحاول معرفتهم.

ولا نستطيع حتى الآن أن نحصي كم بلغ عدد الذين كانوا على المركب وهناك عقوبات كبيرة يتحملها صاحب التهريبة.

ولدينا حالياً متهم ولديه مساعدون وهم أكثر من جهة قبضوا مالاً من المواطنين».

في موازة ذلك، تواصلت عمليات البحث عن مفقودين، وسط تقارير أفادت عن انتشال 8 جثث، وفي ظل متابعة رسميةٍ من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اطلع «على وقائع عمليات إنقاذ ركاب الزورق الذين نجوا من الغرق وتأمين العلاج اللازم لهم، ومتابعة الوحدات العسكرية البحث عن الركاب الاخَرين»، وطلب من الأجهزة القضائية والعسكرية المعنية «فتح تحقيق في الملابسات التي رافقت غرق المركب».

كما تابع ميقاتي مع قائد الجيش ملف البحث عن ركاب الزورق والتحقيقات الجارية في الحادثة.

وإذ ابدى ميقاتي «حزنه الشديد للحادثة المؤلمة، مقدما العزاء لذوي الضحايا ومتمنياً للمصابين الشفاء والعودة السالمة للذين لا يزالون في عداد المفقودين»، اعتبر «أن الاسراع في التحقيقات لكشف ملابسات الحادث مسألة ضرورية لمعرفة حقيقة أسباب الحادث المؤلم».

وتمنى على المواطنين «الشرفاء ألا يقعوا ضحية عصابات تستغل الأوضاع الاجتماعية لابتزازهم بمغريات غير صحيحة وغير قانونية»، وذلك قبل أن يعلن الحداد الرسمي اليوم على الضحايا.

وكان الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري أعلن عبر «تويتر» أنه «عندما تصل الأمور بالمواطن اللبناني للجوء الى قوارب الموت هرباً من جهنم الدولة، فهذا يعني اننا اصبحنا في دولة ساقطة. طرابلس اليوم تعلن بلسان ضحاياها، هذا السقوط».

وقال: «الشهادات التي صرّح بها ضحايا قارب الموت خطيرة ولن نقبل بأن تدفن في بحر المدينة. المطلوب تحقيق سريع يكشف الملابسات ويحدد المسؤوليات... وخلاف ذلك لنا كلام آخَر».