قيم‭ ‬ومبادئ

جيل‭ ‬الروّاد‭...‬والدكاترة‭ ‬العصريون‭!‬

14 أبريل 2022 06:00 م

فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الروّاد‭ - ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ - ‬وبين‭ ‬الدكاترة‭ ‬المحترمين‭ ‬اليوم،‭ ‬ومن‭ ‬نسميهم‭ ‬علماء‭ ‬ومن‭ ‬نسميهم‭ ‬أُميين‭ ‬جهلاء‭!‬

ذلك‭ ‬الفرق‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يتصوّره‭ ‬الناس‭ ‬عندما‭ ‬يريدون‭ ‬التفريق‭ ‬بينهما‭ ‬وإنزالهما‭ ‬منازلهما،‭ ‬فالعلماء‭ ‬والجهلاء‭ ‬بالسياسة‭ ‬وبواقع‭ ‬الكويت‭ - ‬إذ‭ ‬دققت‭ ‬النظر‭ ‬سواء‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بينهما،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يعلمون‭ ‬المعلومات‭ ‬منظمة،‭ ‬وأولئك‭ ‬يعلمونها‭ ‬مبعثرة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬يحسنون‭ ‬البيان‭ ‬عنها،‭ ‬وأولئك‭ ‬لا‭ ‬يُبيّنون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأسماء‭ ‬المستعارة‭ ‬أو‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الخارجية؟

ولو‭ ‬أمعنت‭ ‬النظر‭ ‬لوجدت‭ ‬أن‭ ‬المعاني‭ ‬والقضايا‭ ‬العامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالخير‭ ‬والشر‭ ‬والنفع‭ ‬والضر‭ ‬والمسائل‭ ‬المنوطة‭ ‬بحياة‭ ‬المواطن‭ ‬ومعاناته‭ ‬يشترك‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬الناسن‭ ‬عامتهم‭ ‬وخاصتهم،‭ ‬كبيرهم‭ ‬وصغيرهم،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬نشأ‭ مهنم ‬ في‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬أوالخاصة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬عاش‭‬‭ ‬منهم‭ ‬تحت‭ ‬سقوف‭ ‬السماوات؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬العلم‭ ‬ينبوع‭ ‬يتدفق‭ ‬من خلال القيم داخل ‬الإنسان‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬سيلاً‭ ‬يتدفق‭ ‬من‭ ‬الخارج‭!‬

ولأن‭ ‬طبيعة‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬وسيرتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحافلة‭ ‬بالإنجازات‭ ‬تعتبر‭ ‬مكنز‭ ‬معلومات‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬كمون‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬الرماد‭ ‬وما‭ ‬وظيفة‭ ‬التعليم‭ ‬إلا‭ ‬استثارتها‭ ‬من‭ ‬مكانها‭ ‬وبعثها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬مراقدها‭،‬ وآية‭ ‬ذلك‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬ولا‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬السوابق‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬يجاهر‭ ‬بها‭ ‬النواب‭ ‬ويفخرون‭ ‬بإعلانها‭ ‬ويعدونها‭ ‬مظهر‭ ‬قوتهم‭ ‬وآية‭ ‬حكمتهم ‬إلا‭ ‬وترى‭ ‬في ألسنة جيل الرواد وشوارد أقوالهم ‬ما‭ ‬يراد‭ ‬منها‭ ‬ويزيد عليها، كما أنك‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الحنكة‭ ‬والأدب‭ ‬ولا‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الأخلاق‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أسرة‭ ‬الحكم‭ ‬التي‭ ‬نقرأها‭ ‬في‭ ‬ذخائر‭ ‬الأسفار‭ ‬ونفائس‭ ‬التراث‭ ‬إلا‭ ‬وهي‭ ‬ملقاة‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬بُناة‭ ‬السور‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬والثالث‭ - ‬سور‭ ‬الكويت‭ ‬وقد‭ ‬انقرضوا‭ - ‬ومازال‭ ‬بعض‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬ممن‭ ‬سمعوا‭ ‬منهم‭ ‬وتلقوا‭ ‬القيم‭ ‬عنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬بيننا‭ ‬اليوم‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ - ‬أمدّ‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أعمارهم‭ - ‬ولولا‭ ‬عجز‭ ‬العوام‭ ‬منهم‭ ‬عن‭ ‬بيان‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خواطرهم‭ ‬ويهجس‭ ‬في‭ ‬ضمائرهم‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬مرتبة‭ ‬منظمة‭ ‬لما‭ ‬خيّل‭ ‬إليهم‭ ‬أنهم‭ ‬يسمعون‭ ‬من‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬الدكاترة‭ ‬السياسيين‭ ‬كلاماً عجيباً ‬أو‭ ‬معنى‭ ‬غريباً، ‬وليست‭ ‬هذه‭ ‬الغبطة‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬تعلق‭ ‬بنفوسهم‭ ‬عندما‭ ‬يتلقون‭ ‬أحاديث‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنهم‭ ‬علموا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعلمون؟ ‬أو‭ ‬أدركوا‭ ‬ما لا‭ ‬عهد‭ ‬لهم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وفي‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭،‬ بل‭ ‬لأنهم‭ ‬عثروا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يترجم‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬ويجمع‭ ‬شمل‭ ‬المعاني‭ ‬المبعثرة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬أدمغتهم‭ ‬ولأنهم‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬لذة‭ ‬الأنس‭ ‬بأفكار‭ ‬تشابه‭ ‬أفكارهم‭ ‬وآراء‭ ‬تشاكل‭ ‬‮‬آراءهم‭.‬

ولا‭ ‬أبتعد‭ ‬كثيراً‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬علم‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬الخاصة،‭ ‬لأنه‭ ‬علم‭ ‬خالص‭ ‬من شائبة‭ ‬التكلف‭ ‬والتمثيل‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة،‭ ‬بل‭ ‬تجد‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الرواد‭ ‬من‭ ‬تعجبك‭ ‬استقامته‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬أنك‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬الدكاترة‭ ‬من‭ ‬يدهشك‭ ‬إعوجاجه ‬رغم‭ ‬تعلمه‭ ‬في‭ ‬أعرق‭ ‬الجامعات‭!‬ وإن‭ ‬كان‭ ‬صحيحاً‭ ‬ما‭ ‬يتناقله‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ينتفع‭ ‬به‭ ‬صاحبه‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الجهلاء‭ ‬أعلم‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬العصريين!

وعليه‭ ‬فلا‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬الحراك‭ ‬وتبهتك‭ ‬مراتبهم‭ ‬وشهاداتهم‭ ‬ولا‭ ‬تنظر‭ ‬إليهم‭ ‬نظراً‭ ‬يملأ‭ ‬قلبك‭ ‬رهبة‭ ‬وهيبة‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬لا‭ ‬تغل‭ ‬في‭ ‬احتقار‭ ‬جيل‭ ‬الرواد‭ ‬وازدراء‭ ‬العامة‭ ‬والضعفاء‭ ‬ولا‭ ‬تكن‭ ‬ممن‭ ‬يقضون‭ ‬حياتهم‭ ‬أسرى‭ ‬الشعارات‭ ‬وعبيد‭ ‬الألقاب‭!‬ ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬واختفاء‭ ‬الحقائق‭ ‬وضلال‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ يف ‬مذاهبه ومراميه وتفرقه مذاهب‭ ‬وشيعاً‭ - ‬من‭ ‬الكتل‭ ‬النيابية‭ - ‬وركوب‭ ‬كل‭ ‬فريق‭ ‬رأسه‭ ‬وهيامه‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬ووقوف‭ ‬رموز‭ ‬المعارضة‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬مفارق‭ ‬الطرق‭ ‬ورؤوس‭ ‬المسالك‭ ‬مع‭ ‬وعورة الطرق حيارى‭ ‬ينشدون‭ ‬فلا‭ ‬يجدون‭ ‬ويجدون‭ ‬فلا‭ ‬يصلون‭ ‬لدليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬والحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬والقيم‭ ‬البرلمانية‭ ‬والأعراف‭ ‬أصبحت‭ ‬كلمات‭ ‬غير‭ ‬مفهومات‭ ‬وأسماء‭ ‬بلا‭ ‬مسميات رغم‭ ‬وضوح‭ ‬الدستور‭ ‬وشمول اللائحة‭ ‬الداخلية‭ ‬للمجلس‭ ‬فأين‭ ‬الخلل‭ ‬إذاً؟

الخلاصة، أفلا‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬الرشد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬واستلهام‭ ‬العِبر‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الرواد... فهل من مجيب؟!