رؤية ورأي

ماذا بعد حريق المباركية؟

6 أبريل 2022 06:00 م

تعرّض سوق المباركية التراثي «قلب الكويت التاريخي» لحريق هائل، طال ما يقارب خُمس مساحته الإجمالية، والتهم نحو 300 محل بمحتوياتها، وخلّف دماراً واسعاً أبكى رجالاً ونساءً حسرة وغصّة.

بعد اشتعال الحريق بدقائق قليلة، انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو المتعلّقة بالحريق، وكان من بينها مقطع فيديو متميّز عرض تعليق خبير الآثار الدكتور حسن أشكناني على كارثة الحريق. أكثر ما شدّ انتباهي في تعليقه هو ادعاؤه أن «الحكومة عندها مشكلة مع التاريخ». فتساءلت في نفسي، هل ادعاء الدكتور واقعي أو موضوعي؟ وبالتالي هل هناك إمكانية أو احتمالية لطمس الهوية التراثية للمساحة المدمّرة من سوق المباركية؟ أم أن ادعاءه مجرّد شغب تضليلي لخدمة أجندة سياسية كعادة بعض النشطاء السياسيين والنوّاب في مجلس الأمّة؟

الشواهد التي ذكرها الدكتور أشكناني في المقطع الأوّل بعد اشتعال الحريق، وفي مقاطع سابقة وآخر لاحق، ترجّح صحّة ادعائه. حيث إنه أشار في المقطع الأوّل إلى واقع بناء مبانٍ شاهقة كمبنى بنك الكويت المركزي ومبنى الهيئة العامة للاستثمار في موقع أثري. كما أنه عرض في مقاطع سابقة والمقطع اللاحق مجموعة من الانتهاكات على الهوية التراثية لسوق المباركية، شملت تغيير طابع واجهات وأسقف وأرضيات السوق، فضلاً عن تغيير المهن التي تمارس وتزاول في السوق من خلال رفع الإيجارات.

أضف إلى ما سبق، تبيّن لي أن الدكتور حسن أشكناني، أستاذ مشارك في الأنثروبولوجيا وعلم الآثار بجامعة الكويت، وله أطروحات علمية معتبرة ومبادرات تخصّصية قيّمة وأنشطة ومشاركات مشهودة في مجال حفظ التراث الكويتي. وأنه قلّد – قبل أشهر قليلة – وسام (نجمة إيطاليا) برتبة فارس استحقاقاً لجهوده في تعزيز الأواصر الفكرية والثقافية والأكاديمية بين الكويت وإيطاليا.

وكذلك يعرف عن الدكتور التزامه بالموضوعية في تقييم دور المؤسسات الحكومية في المواجهة المستمرّة بين المطالبين بالمحافظة على المواقع والمباني التراثية وبين الساعين لهدمها واستبدالها بمشاريع ومرافق تجارية. فكما ينتقد حالات التقصير من قبل المؤسسات الحكومية في هذا الشأن، يثني على إنجازاتها الإيجابية، كإشادته بقرار اعتبار سوق المباركية منطقة آثار تاريخية، وما تبعه من بسط رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عليه.

المراد أن التخوّف من طمس الهوية التراثية في الأسواق المدمرة تخوّف عقلائي. ويستوجب التحرّك بحصافة لاستيعابه واحتوائه، بناء على تجارب الدول الأخرى وبما يتوافق مع خصوصية الحالة الكويتية.

وبالفعل، اقترح الدكتور – منذ سنوات – تبنّي استراتيجية معياريّة لرعاية وتحصين ما تبقى من المواقع الأثرية في الكويت.

وأوضح أن الاستراتيجية التي اقترحها مبنيّة على الدمج بين التراث والاستثمار. وبأن كفاءتها مؤكّدة وفق دراسة قدمتها منظمة «يونسكو»، ونتائجها الإيجابية متحقّقة في العديد من الدول، من بينها دول عربية وخليجية.

ولذلك يمكن توظيفها في استعادة وإحياء السمة التراثية في ما تبقّى من سوق المباركية، ولإنقاذ وإنعاش الطابع التراثي لسوقي السلاح والصفافير من تحت رماد حريق المباركية.

بالنسبة لي، كأستاذ في كلية تطبيقية، زاد اهتمامي بترميم واستعادة الهوية التراثية لكامل سوق المباركية، بعدما شاهدت وقرأت مجموعة من تصريحات الدكتور أشكناني المصوّرة والمكتوبة. لأنها كشفت لي ما كان يحتضنه السوق من تراث غير مادي (Intangible Cultural Heritage) وتحديداً الحرف التقليدية التي كان يمارسها الكويتيون. هذه الحرف التي هجرها الكويتيون بسبب طغيان الاقتصادي الريعي الذي احتضنه مجلسا الوزراء والأمة.

ما يهمني في عودة واستمرار ممارسة الحرف هو استرجاع الثقافة المجتمعية التي تحترم وتقدّر ممارسي الحرف والمهن الفنية والتقنية التقليدية والمستحدثة. فعودتها يفترض أن تساهم في تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتباعاً تخفيف الخلل في اقتصادنا الوطني... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com