أن يتحوّل حَدَثٌ بحجم زيارة البابا فرنسيس لبيروت محطّ «هفوات» واتهاماتٍ بنياتٍ لـ «استثمارها» سياسياً، فهذا يدلّ على أن كل شيء في لبنان بات يُوظَّف في «المعارك الصغيرة» حتى ولو على حسابِ «التشويش» على محطةٍ تعكس إحاطةً بابويةً فوق عادية بـ «بلاد الأرز» ويُرتقب أن تشهد أعلى معاينة «ميدانية» لواقعها بعد زيارتيْ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس وسبتمبر 2020 على وهج التداعيات المُرْعِبة لانفجار المرفأ.
وأثار «استباقُ» الرئاسة اللبنانية للفاتيكان بإعلان زيارة البابا في يونيو المقبل، غباراً كثيفاً في بيروت تَداخَل مع «الحروب السياسية» على تخوم انتخاباتٍ نيابية تخاض بـ «كل الأسلحة» و«بلا محرّمات»، وصولاً إلى تشكيكٍ حتى في أن موعد هذه المحطة نهائيّ، في ضوء نقْل الموقع الرسمي للفاتيكان ليل الثلاثاء تعليق مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي ماتيو بروني رداً على أسئلة الصحافيين حول الزيارة المفترضة للبابا موضحاً أنها «احتمالٌ قيد الدرس»، وهو ما أكده أيضاً مراسل الفاتيكان لصحيفة «ناشونال كاثوليك ريبورتر» كريستوافر وايت، تعليقاً على تغريدة الرئاسة اللبنانية التي حددت تاريخ الزيارة لافتاً إلى «أن الكرسي الرسولي لم يحدد موعدها بعد».
وفي حين عَكَسَ هذا «الأخذ والردّ» عدم رضا فاتيكاني عن «استعجال» حسم الزيارة التي أشار بيان القصر اللبناني إلى أنه تبلّغ بقرار حصولها في يونيو في رسالة خطية سلّمها إلى الرئيس ميشال عون، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتري، معلناً في الوقت نفسه أنه سيصار لاحقاً «إلى تحديد تاريخها وبرنامجها وموعد الإعلان عنها رسمياً».
على أن عدم مراعاة «الأصول» في «العجلة» بإعلان الزيارة، لا يعني أنها لن تحصل، بدليل أن بيان مجلس المطارنة الموارنة، أكد أنها قائمة إذ نقل عن المجتمعين «إعرابهم عن فرحهم بإعلان زيارة البابا فرنسيس الرسوليّة إلى لبنان في يونيو، وفي انتظار إعلان تفاصيل البرنامج الرسمي يسألون الله أن يباركها ويحقق أمنيات قداسة البابا بما فيه خير لبنان واللبنانيين».
وأعربت أوساط سياسية معارضة لعون عن اعتقادها أن لبنان كان بغنى عن إثارة التباسات حول زيارةٍ بهذه الأهمية، هي الثالثة لبابا لبيروت بعد يوحنا بولس الثاني في 1997 وبنديكتوس السادس عشر في 2012، مبدية الخشية من محاولات إقحام هذه المحطة في الزواريب السياسية الضيّقة والحسابات الانتخابية عبر السعي لتوظيفها بخانة تعويم فريق مسيحي وخياراته السياسية عشية الانتخابات النيابية وصولاً لتصويرها، في ضوء حصولها المرتقب على مشارف انتخابات رئاسية (يبدأ موعدها الدستوري في 31 أغسطس) على أنها لـ «مباركة» أي نتائج سيسفر عنها استحقاق 15 مايو «الموصولة» خلاصاتُه برئاسية 2022.
في سياق متصل، رأت أوساط أخرى أنه بمعزل عن صحة هذه المحاولات أو عدمها أو واقعيّتها بعدما اعتُبرت «اندفاعة» الرئاسة لإعلان الزيارة «منفردةً» ووضْعها في إطار تلبية «الدعوة التي كان جددها عون للبابا خلال لقائهما الأخير في الفاتيكان في 21 مارس» أولَ غيث رغبةٍ في «قطف ثمارها»، فإن موعد حصول الزيارة في يونيو يفترض أن يشكّل «بوليصة تأمين» لإجراء الانتخابات النيابية بمواعيدها في ضوء موقف الفاتيكان الذي يصرّ على إتمامها في وقتها.
وكان لافتاً أن موقع الفاتيكان الإلكتروني وفي معرض إعلان أن الزيارة قيد الدرس، ذكّر بأن البابا كان استقبل عون (في مارس) وبأن الأخير التقى أيضاً أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وأمين السر للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير، مستحضراً بيان دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي حينها عن أن «المحادثات الودية تطرقت إلى المشاكل الاجتماعية - الاقتصادية الخطيرة التي يعيشها لبنان، بالإضافة إلى أوضاع النازحين، على أمل أن تساهم مساعدة الجماعة الدولية، والانتخابات التشريعية المقبلة، والإصلاحات الضرورية في تعزيز التعايش السلمي بين مختلف المذاهب الدينية في بلاد الأرز».
في موازاة ذلك، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يشدد في مستهل جلسة مجلس الوزراء، الذي وافق على خطة الكهرباء المتعلقة بالمباشرة بإستدراج عروض لبناء معمليْ الكهرباء في الزهراني ودير عمار، على أن «كل كلام وتشكيك في عدم حصول الانتخابات بموعدها مجرد تحليلات لأن الانتخابات مطلب لبناني قبل أن يكون مطلب أصدقاء لبنان».
وأكّد أنّه «حصل تقدم في مقاربة الملفات الأساسية المرتبطة ببرنامج التعافي الذي تنوي الحكومة إبرامه، والمناقشات لا تزال مستمرة مع صندوق النقد الدولي وسنتفق على كل النقاط».
وأضاف: «نحن أمام واقع صعب لكن لن نستسلم وسنظل نعمل لوضع البلد على سكة التعافي».
وتطرق إلى كلام نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حول إفلاس الدولة ومصرف لبنان والذي تم تصويبه لاحقاً شكلياً عبر اعتبار أن المقصود به التعثر وليس الإفلاس وأن هناك مشكلة سيولة وليس ملاءة، فاعتبر أن «الضجة التي أثيرت حول كلام الشامي كانت مقصودة بهدف بث الذعر واليأس فما قاله كان يهدف إلى دعوة الجميع للتعاون للخروج من الواقع الصعب».