صندوق النقد «يجمع ضمانات رئاسية» وعون يتوعّد الفاسدين قبل نهاية عهده

رمضان لبنان كئيب... والانهيارُ ضيف موجِع على موائده

31 مارس 2022 10:00 م

- قرار بتخلية رجا سلامة بكفالة 500 مليار ليرة... ومعلومات عن استئناف القاضية عون
- مساعٍ لانتزاع مسودة اتفاق مع صندوق النقد في الأسبوعين المقبلين... وإلا
- مدفع رمضان حزين... وطبول الانتخابات تملأ أيام الشهر الفضيل

ليست المرةُ الأولى يحلّ الشهرُ الفضيلُ «في كنف» الانهيار المالي الذي بدأ يتدحرج في «بلاد الأرز» منذ مارس 2020، ولكن رمضان 2022 يطلّ فيما «العاصفة الكاملة» أَطْبَقتْ على أبناء الوطن الصغير الذين تَكاتَفتْ عليهم الاختناقاتُ المعيشيةُ، من داخلٍ بات رهينةَ «الإفلاسَ الشامل» غير المعلَن وارتداداته التي لم تنفكّ تتضخّم، ومن خارجٍ هبّتْ منه تداعياتُ «الإعصار الأوكراني» الذي هدّد الأمن الغذائي العالمي ووضع الدول الأكثر هشاشةً، وفي مقدّمتها لبنان، في فم خطر مجاعةٍ «تنهش» ما بقي من إمكان «بقاءٍ» لشعوبها.

وفي موازاة «اللحظة السياسية» البالغة الحساسية التي تجعل رمضان هذه السنة «شهرَ فصْلٍ» عن محطةٍ مفصليةٍ تشكّلها الانتخاباتُ النيابية المقرَّرة في 15 مايو وما يستتبعها من استحقاقاتٍ دستورية مُلازمة مثل تأليف حكومة جديدة أو «متلازمة» كالانتخابات الرئاسية (بدءاً من 31 اغسطس)، فإن طبولَ «نيابية 2022» ومعاركها الضارية التي ستملأ الطريق إلى صناديق الاقتراع وتشتدّ ابتداءً من 5 ابريل، اليوم التالي لانتهاء مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية، سيوازيها في البيوتات وخلف الجدران سكونٌ يضجّ بكل أثقال أزمة متوحّشةٍ تشي بأن تجعل الشهر الكريم محكوماً للكثيرين بعنوانٍ مؤلم صيامٌ ولا إفطار.

في لبنان الكئيب «الفاقد البهجة»، الذي يصارع تضخماً مرعباً بالأسعار التي ارتفعت 11 مرة منذ 2019 والذي يتقلّب ثلاثة أرباع سكانه بين خطيْ الفقر أو الفقر المدقع، لم يعُد من رهجةٍ لمدفع رمضان بعدما بات هدير البؤس أعلى من أن «يُبَلْسِمَه» شهرٌ أطفأ عصفُ الانهيار فوانيسَه، وتحوّلت حكايا القهر «فوازيرَ» من وجعٍ... من أنين مرضى سرطان يستنجدون كل يوم ويتوسلون دواءً بعدما تُركوا فريسةَ «إبادة جماعية» في بلد تحوّل «مقبرة» لأبنائه «على عينك» يا سلطات «خبيثة»... أنين باحثين عن كيفية تأمين لقمة عيشٍ صارت مغمّسة بشقاءٍ وبالكاد توفّرها قلّة على موائد لن تكون عامرة بالولائم كما الأيام الخوالي، بل ستخلو من الكثير من أساسياتها لتكون بنكهةِ مُر الزمن البائس الذي زُج فيه الوطن المنكوب بعدما أصبح «ضيفاً دائماً» على «ولائم الخراب» في منطقةٍ لا تشبع من الدم والدمار.

وعشية حلول رمضان، لم يَعْلُ هَمٌّ على أخبار «القفزات» في أسعار الخبز واللحوم والخضار و«أخواتها» من مستلزمات إفطاراتٍ باتت أكلافها خيالية، وفاقَمها ارتفاع ثمن الزيوت والسكر والحبوب بفعل الحرب على أوكرانيا، ناهيك عن جشع تجار لا يتوانى بعضهم عن بيع كيلو التفاح بنحو 100 ألف ليرة، وسط تحذيرات لا تهدأ من إمكان حصول ارتفاعاتٍ إضافية حتى على سعر رغيف الفقراء.

ولن تقلّ العتمة وطأةً على شهر الأضواء والألوان التي سيحجبها الليل الطويل الذي يزيد من سواده ليس فقط الانقطاع لنحو 20 ساعة في الـ 24 لـ «كهرباء الدولة»، بل التكلفة المليونية المؤلمة لكهرباء المولدات التي ستكسر في ابريل أرقاماً قياسية، تجعل حتى قطرة الضوء «حلماً» لكثيرين كُتب عليهم أن يعيشوا الظلم المروّع بحقهم... في ظلامٍ قسري.

هو رمضان الذي ستنافس فيه حكايا «صندوق الفرجة» وذكرياته، صفّارةَ انطلاق السباق إلى صناديق الاقتراع في 15 مايو، ما لم يطرأ ما يوقفه في الأمتار الأخيرة، وأيضاً المسارَ الحاسم من المباحثات مع صندوق النقد الدولي وصولاً لمسودة اتفاق يُراد أن يتم إنجازها بحلول منتصف الشهر ليُعرض بعدها على إدارة الصندوق لإبرامه بصورته النهائية.

وأمس، طغت زيارة وفد صندوق النقد على المشهد الداخلي، حيث زارت بعثته برئاسة ارنستو راميريز ريغو كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وذلك غداة لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون تحت سقف شروطٍ تتبلور تباعاً والتزامات وضمانات رئاسية بالتنفيذ و«استمراريته» بعد الاستحقاق النيابي يسعى الـ IMF للحصول عليها كشرط لكسر قاعدة عدم إبرام برامج مالية مع سلطات تعدّ لانتخاباتٍ.

علماً أن تقارير عدة تشير إلى ان أي اتفاق مع الصندوق لن يكون كافياً لانتشال لبنان من القعر المالي (قد يؤمن الصندوق نحو 4 مليارات دولار كحد أقصى على سنوات ومشروطة بالتزام الإصلاحات)، لكنه قد يفتح الباب أمام مؤسسات مانحة دولية وبلدان أخرى لإكمال حلقة الأموال التي تحتاج إليها «بلاد الأرز» وتناهز 20 مليار دولار ولو على سنوات، وهو ما يبقى العاملُ السياسي عنصراً حاسماً في تحديد وُجهته.

وفي حين تتجه الأنظار إلى كيفية تلقُّف البرلمان، مشروع قانون «الكابيتول كونترول» الذي أقرته الحكومة، أول من أمس، مع بعض التعديلات غير الجوهرية، وهل سيسقط مجدداً في حسابات الانتخابات النيابية و«ضروراتها الشعبوية» فيكون «الضربة القاضية» لإي إمكانية نهوض على متن اتفاق مع صندوق النقد، فإن أوساطاً سياسية طرحت علامات استفهام حول كيف سيُترجم اعتراض وزراء الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» على المشروع نيابياً، «وهل ثمة مَن يدفع من الخلف لنسف جسور التفاهم مع صندوق النقد لرمي لبنان أكثر فأكثر في أحضان الاقتصاد المقاوم وعرّابته طهران»؟

في موازاة ذلك، أطلق عون مواقف بارزة أمام زواره، إذ أعلن أنه لن يترك موقعه (اكتوبر 2022) إلا ويكون قد كشف عن كل فاسد، معتبراً ان مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد تقع على من سيخلفه وداعياً «الى تشجيع الاوادم والشجعان» على تسلُّم مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايته.

وعن اتهامه بأنه سعى لتطبيق النظام الرئاسي، قال «ما بدي أعمل نظام رئاسي بدي أعمل رئيس»، مؤكداً أنه «جاهَدَ للتوصل الى إقرار التدقيق الجنائي في مجلس الوزراء لتحديد المسؤولية عما وصلت اليه البلاد، لا سيما أن المسؤول عن المحافظة على النقد وقيمته هو المصرف المركزي، كما أن المسؤول عن صناديق المصرف المركزي هو حاكم المصرف».

وإذ ذكّر بأن مجلس الوزراء أقر التدقيق الجنائي في 26 مارس 2020 بعد حرب ضروس، لفت إلى أن «العراقيل لا تزال تُذلَّل تباعاً لوضعه على سكة التنفيذ».

وجاء موقف عون فيما كان المسار القضائي لملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا أمام القاضية غادة عون، في قضايا إثراء غير مشروع وتبييض أموال يمْضي، حيث سُجل أمس تطوران:

الأول إرجاء قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، الى يونيو المقبل استجواب «الحاكم» في دعوى النيابة العامة (القاضية عون) ضده بجرم «تبييض الأموال والاثراء غير المشروع».

والثاني قرار منصور تخلية رجا سلامة مقابل كفالة مالية بقيمة 500 مليار ليرة (نحو 20 مليون دولار) وحجز أمواله في لبنان وسط تقارير عن أن القاضية عون طعنت بالقرار (وما زال رجا موقوفاً).