د. مساعد نواف السويط / ماذا سنجني من وراء التعصب القبلي والطائفي؟

1 يناير 1970 08:47 ص
سأكون صريحا في مستهل رسالتي المتواضعة التي لا انوي فيها طرح اي نوع من الفتنة لا سمح الله، ولكن الحقيقة لا يجب اخفاؤها واكتب الرسالة إلى كل من يرى القبلية بعصبية واذكركم بأننا يجب ألا ننسى اننا إلى الله لراجعون ولذلك لم اوجه هذا الخطاب إلا بعد ما رأيت التعصب وانه في اسوأ مفهوم لدى الجيل الجديد فيراها من باب الحروب القديمة والقوة والهيمنة والعصبية، للأسف، ناظرا إلى السلبيات في القبلية ولم ينظر إلى الايجابيات. انني لا انكر القبلية والتعصب الموجود لدى كل واحد منا، ولكن اصبح المفهوم لدى الجيل الجديد مترجما إلى الخطأ فأنا لست ضد القبلية، ولكن ضد المفهوم الخاطئ والتعصب والقبلية فلو نظرنا إلى مفهومها فهي المنشأ والجذر، هي الجمع والشمل فورد ذكرها في القرآن في قوله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير». فالتعصب القبلي لا نجني من ورائه إلا المصائب والفرقة فسيصبح الطائفي اكثر طائفية والقبلي غدا اكثر قبلية، ولذلك سنناقش المشكلة ونرى ما سنتوصل اليه معا.

دأب العرب منذ قبل الاسلام، على رفع شعار انا واخي ضد ابن عمي، وانا وابن عمي ضد الغريب، وانصر اخاك ظالما او مظلوما. هذه الشعارات ادت إلى التعصب القبلي ما جعل بعض الشباب يتمسكون بهذا المبدأ وينسون الحديث الشريف: (ان الله لا يسألكم عن احسابكم ولا انسابكم يوم القيامة، ان اكرمكم عند الله اتقاكم).

فالاسلام شن حملاته على معتقدات الجاهلية واوهامها، لما لها من خطر على العقل والخلق والسلوك، وشن غارات مثلها على تقاليد الجاهلية التي كانت تقوم على العصبية والكبرياء والفخر وتمجيد القبيلة.

وكان اول ما صنعه الاسلام في ذلك ان اهال التراب على العصبية بصورها كلها وحرم على المسلمين ان يحيوا اي نزعة من نزعاتها او يدعوا اليها واعلن النبي (صلى الله عليه وسلم) براءته ممن يفعل ذلك وقال: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية».

فلا امتياز للون معين من البشرة، ولا لجنس خاص من الناس، ولا لرقعة من الارض، ولا يحل لمسلم ان يتعصب للون على لون، ولا لقوم على قوم، ولا لإقليم على اقليم ولا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ان ينتصر لقومه في الحق والباطل والعدل والجور.

عن واثلة بن الاسقع قال: قلت يا رسول الله ما العصبية؟ قال: ان تعين قومك على الظلم. وقال تعالى (يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين) وقال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) وعدل النبي صلى الله عليه وسلم) مفهوم هذه الكلمة التي كانت شائعة في الجاهلية، ومأخوذة على ظاهرها «انصر اخاك ظالما او مظلوما» ولما قالها (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه بعد ان رسخ في قلوبهم الايمان - مريدا بها معنى آخر - عجبوا ودهشوا، وقالوا: يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصر له»، فالإسلام لا يعترف بأي ولاء لغير عقيدته، ولا بأي رابطة غير اخوته ولا بأي فواصل تميز بين الناس غير الايمان والكفر.

قال (صلى الله عليه وسلم) «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب».

وبهذا حرم الاسلام على المسلم ان يسير مع هوى الجاهلية في التفاخر بالانساب والاحساب، والتعاظم بالآباء والاجداد، وقول بعضهم لبعض: انا ابن فلان، وانا من نسل كذا، وانت من سلالة كذا، انا من البيض وانت من السود، انا عربي وانت اعجمي.

وما قيمة الانساب والسلالات اذا كان الناس جميعا ينتمون الى اصل واحد ولو فرض ان للانساب قيمة فما فضل الانسان او ذنبه ان ولد من هذا الاب او ذاك؟

يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «ان انسابكم هذه ليست بمسبة على احد، كلكم بنو آدم... ليس لأحد على احد فضل إلا بدين او تقوى».

وصب النبي (صلى الله عليه وسلم) جام غضبه على المتفاخرين بالآباء والاجداء في عبارات صارمة قارعة، فقال «لينتهين اقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا انما هم فحم جهنم...».

وفي هذا الحديث ذكرى للذين يعتزون بأجدادهم القدماء من الفراعنة والاكاسرة وغيرهم من عرب الجاهلية وعجمها الذين ليسوا إلا فحم جهنم، كما قال رسول الله وفي حجة الوداع حيث الآلاف يستمعون إلى رسول الاسلام في اوسط ايام التشريق في الشهر الحرام والبلد الحرام القى النبي (صلى الله عليه وسلم) خطبة الوداع، فكان من المبادئ التي اعلنها: «يا أيها الناس ان ربكم واحد، أن لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على اسود، ولا اسود على احمر إلا بالتقوى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم).

واتمنى ان اكون ابليت في طرح هذا الموضوع والاستعانة بكتاب الله وسنة رسوله ان ينور ابصاركم وان تستفيدوا منه في حياتكم وانني لم اطرح هذه الظاهرة إلا انها متفشية واصبحت تهدد المجتمع.





د. مساعد نواف السويط

[email protected]