كيف ستخرج روسيا من الحرب... وهل ستحقق أهدافها؟

أميركا تحقق أهم أهدافها في حرب أوكرانيا

24 مارس 2022 10:00 م

استضافت «العاصمة الأوروبية» بروكسيل، قمة على جانب من الأهمية، ترأسها الرئيس الأميركي جو بايدن وضمت نظراءه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي.

وبدت هذه القمة أشبه بـ«اجتماع أمني» من شأنه تحديد مصير القارة الأوروبية وخطوطها الدفاعية.

لم يكن الأمر يحتاج إلى التدقيق في توصيات القمة ونتائجها ليدرك أن الولايات المتحدة حققت انتصاراً عبر عزل روسيا وتدفيعها ثمناً باهظاً عبر السعي لإطالة أمد الحرب الأوكرانية، ودفع أوروبا خلف الصف الأميركي لسنوات طويلة مقبلة وإخضاعها لسلطته.

لا يحتاج بايدن للحضور إلى أوروبا لحصد ما حققه في الأسابيع الأخيرة منذ أن بدأت روسيا الحرب على أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي.

فقد فرض على جميع الدول الأوروبية الخضوع لسياسة الولايات المتحدة التي أعلنت الحرب الاقتصادية والأمنية على روسيا لعزلها، ليس عن العالم بل عن القارة الأوروبية بالدرجة الأولى وعن حلفاء واشنطن.

فأوروبا تعد شريكة اقتصادية مهمة لروسيا، التي كانت تجني الأرباح الكبيرة من بيع النفط والغاز للقارة العجوز، وتتعامل معها في مجالات اقتصادية وغذائية وصناعية مهمة وتتبادل معها الصفقات في مجالات عدة.

وأصبحت العلاقة الأوروبية - الروسية، تشكل خطراً على المصالح الأميركية بعدما أدركت واشنطن أن الأمر تحول مصدر قوة لروسيا التي بدأت تظهر على شاشات الساحة الدولية.

فقد انزعجت الولايات المتحدة من تدخل روسيا في سورية، بطلب من الحكومة في دمشق، وفي العراق، حيث كانت لموسكو غرفة أمنية مشتركة في بغداد مع القوات الأمنية، وفي إيران حيث عقدت الصفقات التي بلغت مئات المليارات، لتفسد على أميركا عقوباتها القاسية التي استطاعت طهران بعلاقاتها مع موسكو وغيرها التملص من العقوبات والتعويض في مجالات عدة، بينها تكنولوجيات متطورة مدنية وعسكرية.

وكان أن ارتفع صوت الصين متحدياً أميركا في محافل عدة، وذلك بسبب قوتها الاقتصادية وعلاقتها المميزة مع روسيا التي تعد الدولة التي تملك أكثر القنابل النووية عدداً في العالم (5900 منها 1500 غير مسلحة).

فالتعاون الروسي - الصيني الوثيق أعطى بكين الدفع اللازم لإبعاد الهيمنة الأميركية عنها.

وتالياً، فإن جرأة روسيا في الحضور على الساحة الدولية وقدرتها على تحصين اقتصادها ليصبح رصيدها من العملات الأجنبية 632 مليار دولار (300 مليون أصبحت مجمدة حالياً بسبب العقوبات) أصبح يشكل خطراً على الهيمنة الأميركية العالمية.

وبدأت دول الشرق الأوسط تتكلم عن إنهاء الأحادية في العالم وبزوغ عالم جديد متعدد الأقطاب.

إلا أن أميركا كانت تخطط، بطبيعة الحال، للدفاع عن مكانتها وعدم الاستسلام بسهولة لمحاولة إزاحتها عن عرش العالم. وقد بذل الرؤساء، منذ عهد جورج بوش الابن، الجهد الكبير لتغيير النظام في أوكرانيا في الدرجة الأولى بعد أن أجبر العالم على الاصطفاف خلفه في حربه على الإرهاب التي أدت إلى احتلال أفغانستان (عام 2001)، والعراق (عام 2003).

فالرئيس بوش قام في الـ 2004، بدعم «الثورة البرتقالية» التي فشلت في الإطاحة بالرئيس فيكتور ينوكوفيتش الموالي لموسكو وتنصيب زعيم المعارضة فيكتور يوشنكو الذي دعمه الغرب وبالتحديد المجموعة الأوروبية.

وذهب الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى دعم أوكرانيا، وعمل على دفع أوروبا للقيام بالعمل مكان واشنطن: فاندلعت «ثورة الميدان»، والتي عُرفت أيضاً باسم «أورو ميدان» والتي نجحت في تحقيق أهدافها وتوجيه الضربة غير المباشرة لروسيا.

وأطاح نظام أوباما بالرئيس الأوكراني ينوكوفيتش على الرغم من تقديم روسيا أسعار متدنية جداً ثمناً للغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وكذلك منحت 15 مليار دولار لأوكرانيا كمساعدة لاقتصادها على النهوض بعد الأزمة الاقتصادية الحادة.

ولكن الولايات المتحدة تدرك أن روسيا هي أوكرانيا، وأوكرانيا هي روسيا. فالاعتماد على الدولتين لتصدير الغاز والمنفذ على البحر الأسود وبحر أزوف، وكذلك السلة الغذائية الوفيرة في أوكرانيا والصناعة العسكرية وما تشكله من «دولة عازلة» بين روسيا وحلف «الناتو» الآخذ بالتوسع في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك المفاعلات النووية الخمسة التي تمتلكها أوكرانيا وتستطيع أن تشكل خطراً وجودياً على روسيا، إذا ما سلحت هذه المفاعل على الحدود الروسية.

واستطاع أوباما وكذلك خلفه الرئيس دونالد ترامب، الذي كان أقل استفزازاً لروسيا (من دون أن يمنعه ذلك من الموافقة على البرنامج العسكري الأميركي بدعم الجيش الأوكراني وتحضيره للانضمام إلى «الناتو») تجهيز أوكرانيا بما يلزم لجر الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحرب.

وفي الحسابات الأميركية، إذا لم تدخل روسيا الحرب في أوكرانيا، فإن كييف ستصبح جزءاً من «الناتو» وتدعم قوتها النووية وتشكل خطراً وجودياً على موسكو.

ومن المعروف أن لدى روسيا عقيدة تبيح استخدام السلاح النووي إذا كان وجودها في خطر.

ولذلك فإن أميركا كانت تدرك أن الخيار الثاني السيئ هو الحرب. فاختارها بوتين بأهداف لم يعلنها لغاية اليوم، بل تبدو أنها تتمثل بأمرين: استعادة منطقة دونباس التي كان الانفصاليون يسيطرون على 35 في المئة منها فقط، والضغط العسكري على كييف لتوقيع معاهدة سلخها عن الغرب وخضوعها لروسيا. أما مجريات العملية الحربية، فهي تفصيلية، لأن تحقيق الأهداف يتغلب على الخسائر مهما تعاظمت.

ولكن أهداف أميركا تحققت بدخول روسيا إلى الحرب. فقد عزلتها أميركا عن الغرب - الذي يمثل 15 في المئة من العالم - وأهم من ذلك، سلخت أوروبا نفسها عن روسيا. وهو هدف تحقق وازداد عدد القوات الأميركية في القارة الأوروبية ليصل إلى 100.000 جندي.

انتصرت أميركا من خلال تحقيق أهدافها بغض النظر عن عدد القتلى الأوكرانيين. فهي تعطي ساحة إعلامية للرئيس فولوديمير زيلينسكي لم يكن ليحلم بها ليطل على برلمانيي العالم ويلقنهم الدروس في الإنسانية ويوجههم إلى أفضل العقوبات التي يجب فرضها ضد روسيا ويطلب ما لا يستطيعون تقديمه، ليرد عليه مسؤول الخارجية الأوروبي جوزيف بوريل أننا «لم نمنع عن أوكرانيا ما لم نوعدها به».

وتحارب واشنطن وحلفاؤها روسيا بالجنود الأوكرانيين وتزودهم بالسلاح فقط ليصمدوا أطول وقت ممكن لإكمال مشروع شيطنة روسيا ورئيسها بوتين.

لن تنزل أميركا عن عرشها في القريب العاجل، حتى ولو تقهقرت في الشرق الأوسط وتفرغت له في وقت لاحق حين ينكشف الغبار عن معركتها بالوكالة في أوكرانيا.

وتالياً فان السؤال يبقى: كيف ستخرج روسيا من هذه الحرب؟ وهل ستحقق الأهداف التي رسمتها وتعلمها هي فقط؟