اختتم «الملتقى الكويتي» سلسلة ندوات حول مسيرة المفكر والأديب والسياسي الراحل عبدالعزيز حسين في مركز جابر الأحمد الثقافي، حيث استمرت جلساتها الفكرية والأدبية على مدى يومين، وركزت في اليوم الأخير على إلقاء الضوء على شخصية الراحل من الجوانب المختلفة، بالسماع لشهادات مقرّبين منه، كشفوا عن أنه كان رجلاً اجتماعياً محبوباً يهتم بالأسرة بكل تفاصيلها، وبالوقت نفسه هو سياسي ممتنع خاض معارك سياسية مختلفة، فيما تمثل نشأته نموذجاً للوعي المبكر في البلاد.
فقد كشفت الشهادات عن أنه كان أحد أفراد أول بعثة طلابية كويتية ترحل إلى القاهرة للدراسة بالأزهر عام 1939، قبل 6 سنوات من تصدير أول شحنة نفط، وهو ما يعكس وعياً اجتماعياً مبكراً في الكويت في الثلاثينات من القرن الماضي، يبيّن جذور عميقة للوعي الديموقراطي في الكويت.
وناقشت الجلسة الأولى، في اليوم الثاني للندوات، التي أدارتها الدكتورة حصة الملا، شهادة ابنه، وزير النفط الأسبق المهندس هاني عبدالعزيز حسين، الذي أعطى للجمهور نظرة على حياة عبدالعزيز حسين العائلية والشخصية، وكيف كان يحب الأطفال ولا ينزعج منهم ويهتم بالمرأة والأسرة، ويكافح من أجل حقوق كل فئات المجتمع. كما كان يخصص وقتاً كبيراً للأسرة، فضلاً عن شغفه بالصيد والصمت، وزيارة جزر الكويت بحثاً عن الهدوء والصيد.
وقدّم رئيس الصندوق العربي لحقوق الإنسان الدكتور غانم النجار، بحثاً بعنوان «عبدالعزيز حسين... السياسي الممتنع»، تحدث خلاله عن مسيرة 17 عاماً بالعمل السياسي خاض خلالها حسين معارك سياسية كثيرة، وسعت الورقة إلى البحث بمصادر غير تقليدية مثل مضابط مجلس الأمة والأسئلة التي تم توجيهها له كوزير مسؤول عن العديد من المؤسسات الحكومية التي كانت تتطلب منه الرد والتجاوب.
فخلال فترة عمله تم تقديم 471 سؤالاً له في مجالات متعددة. ومن خلال تحليل مضمون تلك الأسئلة وطرق الإجابة عنها، توصل البحث إلى أن هناك شخصية سياسية خاصة تتميز بالشفافية والشمولية والنزاهة.
وفي شهادته، قال مؤسس الملتقى الكويتي الأديب طالب الرفاعي «دار ببالي أن اكتب رواية سيرة ذاتية عن عبدالعزيز حسين. ولكن الرواية تتطلب الغوص في أعماق بطلها، غير أن حياة عبدالعزيز حسين الخاصة والعاطفية ليست متوافرة.
ولذلك قمت بتأليف كتاب يحمل عنوان الندوة، وموجود لدى مركز البحوث والدراسات، ويضم جميع مقالات حسين مع تحليل خاص لتلك المقالات، وعددها 60 مقالاً في مجلة البعثة» مشيراً إلى أن حسين لم يقدّم خلال حياته كلها سوى كتاب واحد هو «المجتمع العربي في الكويت» في الستينيات من القرن الماضي.
في الجلسة الثانية، التي أدرتها الدكتورة فاطمة السالم، وتحدث فيها أولا الدكتور حامد الحمود في ورقة بحثية بعنوان «الأستاذ عبدالعزيز حسين وجذور الوعي الديموقراطي في الكويت» وقال فيها: «إن تعلم عبدالعزيز حسين الذي لاقح بين الثقافة الأزهرية الإسلامية المحافظة، والدراسة في جامعة لندن قد أهله أن يقدّم هذا الكتاب ومسيرة علمية وسياسية وثقافية، كما أن الصورة المنشورة له ورفقائه أعضاء أول بعثة طلابية كويتية ترحل إلى القاهرة للدراسة بالأزهر عام 1939 أي قبل 6 سنوات من تصدير أول شحنة نفط تعكس وعياً اجتماعياً مبكراً في الكويت في الثلاثينيات من القرن الماضي يبيّن جذور عميقة للوعي الديموقراطي في الكويت».
واختتم الجلسة بحث الكاتب خالد العبدالمغني، وعنوانه«عبدالعزيز حسين والفن التشكيلي.. من البعثة إلى المعارف» كشف خلاله أن كل محطة من حياة عبدالعزيز حسين تشهد أنه تولى مسؤوليات فنية، أسهمت في دعم الحركة الفنية التشكيلة، فضلاً عن دوره المفصلي في تشجيع المواهب واحتضانها ورعايتها، مؤكداً أن هذه الورقة محاولة لرصد مواقع رعايته للمواهب وأثره الظاهر والخفي في دعم مسيرة الفن التشكيلي في الكويت على مدى 40 عاماً من حياته العملية.
وقال الباحث حمزة عليان، إن هناك وجهين بارزين ومترابطين للأستاذ عبدالعزيز حسين، هما: الوجه الثقافي والوجه العروبي، وهو ما يستلزم فتح صفحات نضيء فيها على هذين البعدين في شخصيته، ثم الولوج باستعراض وشرح وتحليل الخطة.
وزاد عليان ان في الأربعينات من العقد الذي استمدت الثقافة في الكويت زخمها الأكبر واتسعت حركة الاتصال الثقافي مع الخارج، وبدأ الأدباء والشعراء يتأثرون جلياً بما يكتب في مصر والشام والعراق، وفي تلك الفترة بدأت إدارة المعارف في إرسال الطلاب للدراسة في الجامعات والمعاهد العليا في مصر، والبعثة الأولى عام 1939 ضمت عبدالعزيز حسين ويوسف مشاري البدر ويوسف عبدالله العمر وأحمد مشاري العدواني، ثم توالت البعثات مما استوجب إنشاء مركز أو بيت ثقافي للطلبة الكويتيين فيها، أسندت إليه مهمة إدارة هذا البيت عام 1946 وفيه أنشئت أول رابطة لطلبة الكويت هناك.
واضاف أنه في الخمسينات، «العصر الناصري» في المنطقة العربية، إذا صح التعبير، كان عبدالعزيز حسين يطل بوجهه العروبي، وبمشاركته سواء بإنشاء الرابطة الأدبية وتولى الأمانة العامة فيها سنة 1958، أو بعقد مؤتمر الأدباء العرب والذي احتضنته الكويت عام 1958 ولمدة 10 أيام، وكان عبارة عن أكبر تظاهرة عربية ثقافية تقودها الكويت، وهي امتداد للمواسم الثقافية الزاخرة، بهدف توثيق الصلات الأدبية بينها وبين أشقائها العرب.