النسيان نعمة، إذا أطلّت الذكريات بوجهها القبيح...
هكذا جاء مضمون مسرحية «ذاكرة صفراء»، العرض الرابع وقبل الأخير في المسابقة الرسمية لفعاليات الدورة 13 لمهرجان أيام الشباب المسرحي، حيث قدمها طلبة المعهد المسرحي أول من أمس، على «خشبة الدسمة»، وهي من تأليف عباس الحايك، إعداد عبد الرحمن الموسوي وإخراج سلمان كايد، في حين تشارك في الأداء التمثيلي، كل من نوح الحسيني، دانة هيسم، حسن عبدال، محمد المنصوري، محمد الزنكي، نورة العزّاز، والطفل راشد الراشد.
استعاد العرض ذاكرة الحروب وانعكاساتها على النفس البشرية، حيث دارت الأحداث حول الطفل «أحمد» الذي كان يلعب في الحديقة برفقة والدته، قبل أن تأتي غارة وتقتلها أمام عينيه، في حين يصاب هو بتشوهٍ في الوجه نتيجة انفجار لغم.
وبعد تشرده تارة في الجبال وطوراً على السواحل، يظلّ ذلك الحدث المؤلم يطارده بذاكرة هذا التشوه الموجود في وجهه، وبذكريات الحرب التي التصقت به منذ طفولته، فيحاول النسيان من خلال الرسم والتلوين بريشة الأمل... لكن الذاكرة الصفراء تقف له بالمرصاد.
وبالرغم من السوداوية في العرض، إلا أن المؤلف نجح في وضع إيقاع متوازن للأحداث منذ البداية، حيث ذهب بالمتلقي إلى أبعاد متعددة، بذكريات الحروب التي تُدمر عقول الطفولة، كما حاول إيصال رسالة بأن أقرب الناس من السهل أن يكون عدوك في يومٍ ما.
أيضاً، يُحسب للمخرج براعته في جعل العرض أكثر رشاقة، حيث غابت عنه الرتابة والملل، فضلاً عن أنه لم يخرج كثيراً عن المحتوى وخطوطه الدرامية، بالإضافة إلى حالة الانضباط في ما يتعلّق بأداء وحركة الممثلين، فكانت هناك حالة من الانسيابية على الخشبة.
كذلك، كان هناك توظيف جيد للموسيقى من قبل محمد الحجي، والإضاءة التي أبدع فيها محمد التويجري، والديكور الذي قدمته حنان مراد والذي كان مُعبراً عن الحالة النفسية، وفي النهاية سيظل جيل المعهد العالي للفنون المسرحية في ذاكرة ملونة مع هذا العرض المسرحي.
الندوة النقاشية
أعقب العرض ندوة نقاشية في قاعة الندوات، أدارتها المؤلفة فلول الفيلكاوي، وعقّب عليها المخرج جابر المحمدي، وذلك بحضور طاقم عمل المسرحية.
وأثنى المحمدي على مشاركة المعهد العالي للفنون المسرحية في مثل هذه المهرجانات، حتى يتيح لطلبته ممارسة تجربة المشاركة في المهرجانات والاحتكاك بتجارب الآخرين.
وقال: «قدم فريق العمل عرضاً ممتعاً، خصوصاً في مشهد النهاية، لأنه أضفى بعداً على النص المكتوب من خلال الرؤية الإخراجية التي أعطت للمتلقي متعة بصرية جميلة»، واصفاً المخرج كايد بأنه «مشروع ولادة مخرج متمكن وواعٍ» من خلال توظيف أدواته الإخراجية بطريقة ذكية ليصل بالعمل إلى بر الأمان.
وأضاف: «كاتب النص كان يحاكي الشخصيات الإنسانية بطبيعتها الحقيقية، بعيداً كل البعد عن البهرجة، لذلك نجد شخصياته بلا رتوش، وهذا ما ساعد مخرج العرض في رسم تصور كامل لشخصيات عمله، ولامس فيها قضايا الجمهور ونجح في ذلك، كما تجنب الأخطاء التي يقع فيها بعض المخرجين من تشابه في شخصيات أعمالهم والتكرار الممل».
ولفت المحمدي إلى أن المسرحية تعتبر «ديو دراما»، أي الثنائيات الدرامية، «فالممثلان كانا شاخصين أمام الجمهور من بداية العرض حتى النهاية».
وختم قائلاً إن «التركيز النفسي هو الذي امتازت به هذه المسرحية، لا سيما في حواراتها الرشيقة التي ابتعدت عن المباشرة. لذلك تبقى مسرحية (ذاكرة صفراء) الوجه المشرق لمستقبل المسرح في الكويت».